بعنوان "أبديّة بيضاء"، رأى النّور أحدث نصوص المخرج والكاتب المسرحيّ المغربيّ محمد الحر، عن منشورات "أكون للثقافة والفنون". وفي رسالة تقديمية لهذا النّصّ المسرحيّ، يقول عبد اللطيف فردوس، كاتب مسرحيّ، إنّ محمدا الحر "مبدِع حقيقيّ مِن طينة الكِبار"، يدعو إلى "فرجة تتطلب (...) استنفار جميع الحواس، بما فيها حاستي السادسة التي ألجأ إليها للتنبؤ بأفق انتظاري فكريا وجماليا؛ وغالبا ما تكون النتيجة أكبر". ويزيد الكاتب: "عروض محمد الحر، كما هو الحال مع نصوصه، لا تنتهي مع نهاية القراءة أو نهاية العرض وتقديم الممثلين، بل تجبرنا على أن نحمل في دواخلنا عوالم من التساؤلات والمتع والنشوة". وفي تقديمه لهذا العمل المسرحيّ يذكر عبد اللطيف فردوس أنّه "يجمع بين الحكي المسرحي والسرد الفيلمي"، إذ "تسرد المسرحية رحلة عبر أزمنة متداخلة، يجاور فيها الحاضر الماضي، ونستكشف من خلالها خارطة زمن يستعصي على الفهم، وعوالم النساء العجيبة، وعلاقتهنّ بالشعر والإبداع، في لقاء بين زَمَنين، بين عالَمين، بين شاعرتين". ويذكر الكاتب المسرحيّ أنّ نصّ الحرّ الجديد حيكت حكاياته بشكل حَدَثِيّ، رغم أنه نص سردي؛ "وفي حين تغلب على أغلبية الكتابات السردية (...) اللغة أو الصور، فيغيب الحدث أو يتوه"، لَم يحدث هذا قط في أي محطة من محطات "أبدية بيضاء"، رغم سلاسة اللغة، وقوّتِها، وشاعرية الصور التي كان من الممكن أن تُغَيّب الحدث أو الأحداث. "أبدية بيضاء" نص "يستنطق ويسائل أكثر مما يحاكم أو يدين، مع أن أكبر إدانة فيه موجّهة إلى الصمت والقَبول"؛ وعمل "غني بالصور الشاعرية التي تمنح العين والأذن متعتها ومُتَعَها"، مع تضمّنه "مواقف نبيلة، حَسَبَ المفهوم الأرسطي؛ أي أفعالا محسوبة ومؤثرة، وذات أبعاد رحبة، تسائل السلوك الإنساني في كونيته"، يورد الكاتب ذاته. ورغم سوداوية أجواء النّصّ ومسحة الحزن الغالبة عليه، إلا أنّه "لَم يكن نصّا بكائيا مأساويا" بل هو "غني بسخرية لاذعة يمكن أن تجعل منه كوميديا درامية، حَسَبَ طبيعة المخرج؛ فالحكاية هنا رغم قوتها لا تستجدي لا الخوف ولا الشفقة، بل تفضح وتعيد الفضح وتُدِينُ الصّمت"، وفق المصدر المذكور. وتضيف الرسالة التقديميّة أنّه عبر قالَب جامع، يحضر "تدرُّج مُحكَم في البناء الدرامي، من الشاعرية الرمزية، مرورا بالواقعية السحرية، ووصولا إلى الواقعية الصادمة؛ حيث تنبثق أحداث النص من المجتمع، دون أن تنغمس فيه أو تبتعد عنه". وعن تزامن نهاية كتابة نصّ محمد الحرّ مع فصل الخريف، يقول الكاتب المسرحيّ عبد اللطيف فردوس إنّ هذا "مِن جميل الصدف"، نظرا لغنى دلالات وأبعاد فصل الخريف؛ فهناك "التّعرّي، نفض الأوراق، بداية الحياة وليس نهايتها؛ وهو ما لا تكون معه النهايةُ نهاية بالمعنى الحرفي، بل هي، كما شاء أن يعنوِنَها مؤلِّفُها بنباهة، باب آخر، سيفضي حتما إلى أبواب أخرى، حيث تحمل النهايات في ذاتها بدايات جديدة".