مساعٍ باريسية تروم التصدي للظاهرة الإرهابية في "بلد الأنوار"، المُخترق من لدن "الجنود التائهين" المنتمين إلى تنظيم "داعش"، بعدما استشعرت فرنسا توغل العناصر المتشددة في أعماق المجتمع الأوروبي، ما دفعها إلى إعلان الحرب على ما أسمته ب"الانعزالية الإسلامية". تبعا لذلك، أعلن إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، عن حزمة من التدابير الأمنية المستعجلة، بعد حادثة قتل مدرس على خلفية عرضه لرسوم كاريكاتيرية عن النبي محمد، قصد الحد من الخطر الإرهابي. وستمزج الاستراتيجية الجديدة بين البعدين الأمني والتعليمي. ولن تنحصر "الحرب الماكْرُونية" على الظاهرة الإرهابية في التراب الفرنسي الداخلي، بل ستكون لها ارتدادات على بلدان المنطقة المغاربية باعتبارها مصدر أغلب الجاليات المهاجرة استقرارا في هذا البلد الأوروبي، لا سيما تلك التي لها ميول دينية متشددة. وتحدثت منشورات إعلامية عديدة لإذاعة "أوروبا 1" في الأيام الأخيرة عن استنفار أمني في الداخلية الفرنسية؛ إذ يعتزم جيرالد دارمانان، المشرف على القطاع الأمني الداخلي، زيارة تونس بحر الأسبوع الجاري، وكذلك الجزائر يوم الأحد المقبل، بعد حلوله بالمغرب. وتأتي هذه الزيارات الدبلوماسية في سياق طرد وزارة الداخلية الفرنسية ل 231 أجنبيا مسجلين على قائمة التشدد الديني، حيث تحدثت وسائل إعلام فرنسية عن نيّة باريس طلب ترحيل هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية، وبينها المغرب والجزائروتونس. وفي هذا الإطار، قال رشيد أيلال، باحث في الشأن الديني، إن "فرنسا أصبحت ضحية للهجمات الإرهابية بشكل رهيب، لعل آخرها قتل الأستاذ بضواحي باريس، ما دفع البلد إلى حماية نفسه من الظواهر الإرهابية، وهو أمر طبيعي لأن المتطرف لا يؤمن بالحوار وبالآخر". وأضاف أيلال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "فرنسا لها جاليات تنتمي إلى مجموعة من البلدان، على رأسها كل من تونسوالجزائر والمغرب؛ ومن ثمة، قرّر الرئيس الفرنسي التشاور مع هذه البلدان من أجل التنسيق معها مستقبلا لأنها تعرف الإرهابيين بشكل أكبر". واستطرد الكاتب المغربي بأن "الحملة الفرنسية لا تريد تحريك هذه البلدان ضد الإرهاب، لأنها تحارب الظواهر الإرهابية في الأصل، بما فيها المغرب الذي أصبح نموذجا إقليميا يحتذى به بفعل مقاربته الاستباقية في تفكيك الخلايا الإرهابية"، مبرزاً أن "الزيارات تدخل في باب التشاور، وليس إعلان الحرب على الإرهاب في المنطقة". ومن وجهة نظر أيلال، فقد كان من المفترض أن يتوطّد التنسيق قبل الحادث الأخير لكنه توقف، قائلا: "لم تعد التوجهات الوهابية منتشرة بالشكل الذي كانت عليه قبل الآن، بعدما قطعت السعودية علاقاتها معها، ما دفع كثيراً من الوهابيين إلى تغيير خطابهم بسبب انتهاء الدعم، بل صاروا يدعون إلى تجديد الخطاب الديني". "ذلك في حد ذاته ضربة في وجه التشدد"، يعلّق الباحث المغربي على انحسار النفوذ الوهابي بالمنطقة، لكنه أضاف أن "المقاربة الأمنية غير كافية للقضاء على الإرهاب، وإنما لا بد من تجفيف منابع التطرف الفكري من خلال إزالة أسماء الشوارع والمؤسسات والمدارس التي تحمل أعلام الإرهاب عبر التاريخ، من قبيل ابن تيمية، وتنقيح النصوص الدينية".