جامعا كل الصفات المرتبكة، تمكن المحجوبي أحرضان من أن يكون عن نفسه في أذهان قارئي مساره وسم العسكري والسياسي والتشكيلي في الآن ذاته؛ لذلك يصعب من خلال مقدمة أن يرسم كاتب للرجل الراحل صورة قارة، فمن صرامة أول وزير دفاع في تاريخ المغرب، إلى السياسي المناور القريب من القصر، ليأتينا في نهاية حياته بريشة رقيقة يرسم بها لوحاته خلال عزلته، هناك في جنته "ولماس". "الزايغ" خرج إلى الحياة في السنة الأولى بعد 1920، وبرزت فطنته منذ السنوات الأولى من حياته، بحكم قوة والده، قايد منطقة ولماس.. تحاول هسبريس، خلال الجزء الأول من مقتطفات من مساره، بث صورة عن الرجل العسكري، معاشر الجنرالات والحروب الفرنسية والمغربية وكثير من التشابكات داخل أجهزة الجيش. أحرضان عسكريا ابن قايد ولماس حط رحاله المدرسي لأول مرة في "الثانوية البربرية" بأزرو، وذلك حال كل أبناء القياد إبان فترة الحماية الفرنسية، لكن الدراسة العسكرية ستنطلق من "الدارالبيضاء"، وهي المدرسة العسكرية لمدينة مكناس، وفيها سيشتد العود العسكري للرجل، وستكون أولى محطاته العسكرية هي الحرب العالمية الأولى. 1945، وفي صفوف القوات الفرنسية التي ألحقت مغاربة كثرا بصفوفها، سيكون أول لقاء لأحرضان مع محمد أوفقير، برتبة عسكرية أعلى منه، وسيظل مرابطا هناك إلى أن حلت معركة "مونتي كاسينو"، في إيطاليا، حيث سيصاب في رجله، ما جعله يعود أدراجه لتلقي العلاج، لكن في الديار التونسية؛ وبعد الحرب سيعين قائدا على منطقة ولماس. العلاقة الملتبسة بين فرنسا وأحرضان بدأت تتشكل صورها بعد الحرب، ففي وقت كان المغاربة يقاتلون ضمن الصفوف الأمامية لقوات "الحلفاء"، واصلت فرنسا حربها الضروس ضد القبائل المغربية، التي أعلنت الكفاح المسلح، لكنها في المقابل تبقى مكان لقاءه برفيقة عمره، مريم دوكاكسي، وهي سليلة عائلة أرستقراطية عريقة، تعرفت على الرجل في حفل للباليه، وتخلت عن كل شيء لتستقر في "جنة ولماس". العلاقة مع محمد أوفقير كانت على أحسن ما يرام لفترات طويلة، فرغم كره أحرضان للدخان، وإقبال الثاني عليه بشره، كان يعرفان بعضهما، وامتد الأمر إلى برمجة زواج ابن المحجوبي، أوزين أحرضان، بمليكة أوفقير، حسب مصادر هسبريس؛ لكن الأمر سيفشل بإقدام أوفقير على المحاولة الانقلابية المعروفة، وسيستقر الزواج عقبها على ابنة الجنرال الغرباوي. أحرضان الذي مال للسياسة ستكون له أفكار كثيرة جعلته مشتت البال بين العسكر والسياسة، لكنه أجاد القرب من الملك، برفضه التوقيع على عريضة النفي التي تسببت له في مشاكل عديدة بإنهاء فرنسا لولايته على أولماس، وحينها سيتقوى الحس السياسي لدى الرجل، وتعمقت لديه فكرة "العمل السياسي"، بمعية رفاق كثر. فطنة رجل الأطلس مكنته من إدراك مدى انتشار الأفكار الثورية وسط الجيش المغربي، خصوصا بعد عودة المقاتلين من الحرب الهندو صينية، وتراجع الكثير منهم عن الالتحاق بالجيش الفرنسي، والمضي نحو قوات "هوشي منه"، وذلك بعد مراسلات قام بها مع الحزب الشيوعي المغربي، بواسطة محمد بن عمر الحرش. أولى تحركات أحرضان ضمن مجموعته المعروفة ستكون بمحض الصدفة، تقول مصادر هسبريس، لكن علاقته بقائد جيش التحرير عباس المساعدي كانت أقدم من هذا بكثير، خصوصا أن والده من استقدمه من أيت مساعد، ضواحي زاكورة، ليخط قراراته باللغة العربية، ويكون فقيها بمنطقة ولماس. سنة 1953، سيلتقي الرجل بعبد الكريم الخطيب لأول مرة داخل مصحة بير غوكير، بالدارالبيضاء، بعد أن جاء بالمقاوم إبراهيم الروداني مصابا؛ وذلك بتوصية من عباس المساعدي. وهنا ستنطلق معارف شخصية بين الجميع، وسيكون ما يأتي حاسما في تحديد المواقف من عديد الشؤون العسكرية، تتقدمها حرب الرمال، إبان توليه وزارة الدفاع. ورفض أحرضان، وفق مقربين، الدخول في حرب مع الجزائر، بداية لحداثة عهدها بالاستقلال، ثم لعلاقاته الجيدة مع الثلاثي أحمد بن بلة والحسين أيت احماد ومحمد بوضياف، إذ كانوا يزورون الرباط، والتقوه في ولماس غير ما مرة، تقول مصادر هسبريس، التي تحكي معطيات عن علاقة أحرضان بالحسن الثاني والاتحاديين، نحكيها في الجزء القادم.