في مادة علمية ينظمها خط فكري واحد يروم إماطة تراب الإهمال أو المنسي في العصر العلوي الأول، صدر للدكتور أنس أمين مؤلف عنونه ب"فجر الدولة العلوية الظواهر والقضايا السياسية والاجتماعية والأدبية" عن دار القرويين للنشر، يعتبر أمشاجا من أبحاث تشكل في مجموعها اعتناء بخصوصية ظواهر وقضايا مرحلة فجر الدولة العلوية سياسيا واجتماعيا وأدبيا. ويقول الدكتور أنس أمين: "ما أغراني بهذه المقاربة هو كونها تتسم بوحدة التصور التي تتيح تكوين رؤية شاملة عن الفترة المدروسة؛ حيث يعتبر القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي مرحلة عصيبة في تاريخ المغرب في العصر الوسيط سياسيا واجتماعيا وأدبيا". وأضاف مؤلف الكتاب سالف الذكر، في حديث لهسبريس، أن "هذا السِّفْر يجيب عن مجموعة من الأسئلة التي شكلت قلقا معرفيا في الفترة المدروسة والتي أنهكت التجزئة السياسية كيانها على مختلف الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية؛ ما جعل الخلاص من هذا الوضع المحرج مطلبا عاما ورئيسا لدى المغاربة". ويأتي هذا الكتاب، حسب مؤلفه، تلميعاً لمجموعة من قضايا وظواهر فجر الدولة العلوية، خاصة أن هذه المرحلة تميزت بمجموعة من السمات الملحوظة للحياة السياسية والاجتماعية والأدبية في ظلال الفتن والقلاقل التي سادت في هذه المرحلة الزمنية من تاريخ المغرب الحديث ولِمَا كان لذلك من أثر جسيم في السياسة والمجتمع والثقافة؛ ما جعل فجر الدولة العلوية فترة ثَرَّاءَ بالأحداث جعلت ثقافتها إن لم نقل أدبها يتنفس السياسة ويتغذى بالمجتمع". ويشير المصدر ذاته إلى أن فجر الدولة العلوية فترة تَمَحْرَقَتْ بين منزلتين مرحلة احتضار دولة السعديين التي دامت أكثر من قرن ونصف قرن، ومرحلة بزوغ فجر دولة جديدة هي الدولة العلوية. لذلك، شهدت فترة الانتقال من دولة إلى أخرى كثيرا من الاضطرابات، التناحر على السلطة والثورات الشعبية واختلال تنظيم الجيش واعتلال مداخيل الدولة، إذ أفرز هذا الواقع المحموم ظواهر اجتماعية كادت أن تعصف بصفاء العقيدة. كما يتطرق إلى الدور الحاسم لأسرة الشرفاء العلويين السجلماسيين في التصدي إلى هذه الظواهر والقضايا التي كادت أن ترمِّد أَوار الاستقرار بالمغرب. ويتوخى الدكتور أمين أنس من هذا الكتاب ألا يقتصر على التعريف بقضايا المرحلة وظواهرها فقط بقدر ما يسعى إلى مقاربتها على جهة الاصطلاح، فحسب كل قضية تشمل على المحكوم عليه والمحكوم به والنسبة الحكمية والحكم، أما الظاهرة فهي موضوع كل تجربة ممكنة أي كل ما يحدث في الزمان والمكان كما تتجلى في الظاهرة كل العلاقات التي تحددها المقولات العقلية كما ذهب إلى ذلك (كَانْط). وفضلا على الاصطلاح، تناول المؤلف أيضا ظواهر المرحلة وقضاياها في إطارها التاريخي والسياسي والاجتماعي والأدبي من خلال ربطها بعصرها ووصلها بالجذور السياسية والاجتماعية والثقافية التي أفرزت هذه القضايا والظواهر. ولعل هذا العمل "تفتقر إليه الدراسات الأسطوغرافية حول فجر الدولة العلوية، إذ نجد أغلب الدراسات المعالجة لهذه الحقبة تقتصر على تنميط الظواهر واطراد القضايا دون نقد أو تحليل لغياب سياق نشأتها وذيوعها؛ ما جعلنا لا نقف على رصد هذه الظواهر فقط بل الوقوف على تأويلها وتفسيرها وربطها بكل الأَوْزِعة التي أدت إلى إحداثها ومدى تأثيرها في المحيط السياسي والاجتماعي والأدبي للفترة المدروسة؛ ما أودى بنا إلى أن نربط الظواهر بتحققاتها والقضايا بأصولها ومقاصدها".