خلال عشرة أعوام أخرى، ربما تختفي الحانات والملاهي الليلية الإسبانية التي ظهرت في سلسلة الصور الجديدة للمصور فرانسو بروست، وتحمل عنوان "ديسكوتيكا". وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن هذه المنشآت الترفيهية الليلية، الواقعة على الشواطئ، التي تم تطويرها بصورة مكثفة، على الساحل الشرقي للبلاد، افتقدت زبائنها المعتادين بسبب جائحة كورونا خلال فصلي الصيف والخريف. ولكن مثلما تظهر صور بروست، فإن انطفاء روعة هذه الأماكن لا يبشر بمستقبل مشرق بعد انحسار الفيروس. وقد التقط بروست صور أماكن الترفيه الليلية خلال جولة بالسيارة من مدينة "لقنت" الإسبانية حتى الحدود الفرنسية خلال فصل الخريف الحالي. وخلال أي عام طبيعي، تكون هذه الأماكن مكتظة بالزوار خلال فصل الصيف، وتظل مفتوحة حتى نهاية الفصل، وتعج بالزبائن الذين يجذبهم ساحل يشتهر في أوروبا بفنادقه وأماكن الترفيه رخيصة التكلفة. وقال المصور لخدمة سيتي لاب التابعة لوكالة بلومبرغ للأنباء هاتفيا: "الأشخاص في أماكن مثل منتجع بيندرو يشعرون بالفزع لأنها أصبحت مهجورة". وأضاف: "لديهم كل هذه الشوارع الممتلئة بالملاهي الليلية والحانات التي أصبحت خالية تماما. هناك أماكن كانت عادة تشهد ازدحاما في موسم الذروة. رأيت أنه سوف يكون أمرا ممتعا تخليد ذكرى وضع هذه الأماكن حاليا، لأنه لا أحد يعلم ما سوف يحدث خلال الأعوام القليلة المقبلة؟". ورصد بروست بكاميراته في الحانات الشاطئية بإسبانيا أماكن ربما تبدو مألوفة بصورة غريبة لمواطني أمريكا الشمالية، الذين لم يزوروا أوروبا مطلقا. وقال بروست: "جمال هذه الأماكن يبدو أمريكيا للغاية"، مضيفا: "يظهر أن ثقافة لاس فيجاس موجودة في إسبانيا، وهو أمر متأثر بصورة كبيرة بثقافة المستهلك الأمريكي في ستينات وسبعينات" القرن الماضي. وهذه الأماكن التي تضم لوحات خرسانية ذات طلاء براق وعليها لافتات كبيرة الحجم للغاية حتى يمكن للزوار قراءتها وهم في سياراتهم، استخدمت أسلوب جذب استهلاكي جمالي رائع. كما تعكس هذه الأماكن جزءا من الاقتصاد الإسباني الذي تضرر كثيرا على نحو خاص بسبب تفشي جائحة كورونا. وعلى الرغم من معاناة إسبانيا من موجة أولى سيئة لفيروس كورونا خلال فصل الربيع ومطلع فصل الصيف، إلا أنها تمكنت من إعادة استقبال السائحين الأوروبيين خلال فصل الصيف. ولكن قطاع السياحة مازال متراجعا. وعلى سبيل المثال، فإن منتجع بيندورم الشهير سجل انخفاضا في أعداد الحجوزات بأكثر من 80% مقارنة بعام 2019. وهذه منتجعات تعتمد على استقبال أعداد كبيرة من الزائرين لمواصلة توفير أسعارها ميسورة التكلفة نسبيا، وبالنسبة للكثيرين يمثل تراجع عدد الزوار خلال عام 2020 تهديدا وجوديا لها. ومرة أخرى، فإنه كما يوحي الحاضر الذي يعاني الانحسار لفترة طويلة في صور بروست، فربما أدت الجائحة فقط إلى تسريع عملية بدأت بالفعل، مما يجعل هذه الصور تبدو مثل لقطات من عصر آخر. فعندما تم تطوير هذه البلدات الشاطئية من الستينات إلى الثمانينات، بتكلفة ضئيلة وبسرعة، دخلت في سوق جديدة للسياحة الجماعية، سياحة تمنح مواطني أوروبا الشمالية من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة الفرصة لأول مرة للاستمتاع برفاهية ما بعد الحرب بشمس البحر المتوسط بتكلفة مقبولة. وبالنسبة للكثيرين الذين نشؤوا في عالم يقتصر فيه السفر الدولي، وحتى فرصة الاستمتاع بمباهج فصل الصيف، على النخبة، مازالت هذه المنتجعات تتمتع بمزيج جذاب للمتعة والراحة. والآن، تشهد الحاجة التي تشبعها هذه المنتجعات تغيرا. ففي عالم متصل ببعضه البعض، تعني سهولة الحجز عبر شبكة الإنترنت أن الناس أصبحوا يحتاجون بدرجة أقل لشركات سياحية كبرى لتكون وسيطة لإتمام حجوزاتهم. كما تخلى الزبائن الأوروبيون بصورة كبيرة عن العطلات الشاطئية التقليدية التي تستمر أسبوعين، حيث كانوا يتوجهون إلى منتجع واحد ويبقون به لمدة طويلة، وهو أسلوب الحياة الذي كان يتبعه كثيرون خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وبدلا من ذلك، يفضل الأوروبيون (أو على الأقل كانوا يفعلون ذلك قبل عصر جائحة كورونا) السفر بصورة متكررة لفترات أقصر، مما أدى إلى انتعاش العطلات القصيرة بالإضافة إلى اتساع نطاق الاختيارات ما بين المقاصد الدولية. وكان انهيار شركة توماس كوك البريطانية العام الماضي دليلا على مثل هذا التحول. وربما تكون خريطة المنتجعات الشاطئية الخالية خلال العام الجاري على الساحل الشرقي دليلا آخر. وربما تجد هذه المنتجعات وسيلة لتجديد وتطوير نفسها بعد انتهاء الجائحة، وفي إسبانيا هناك الكثير من امتدادات الشريط الساحلي لم تترك عملية التطوير المفرط فيها سوى القليل من آثارها. ولكن صور بروست مازالت تبدو كما لو أنها تخلد ذكرى عصر انتهى بالفعل.