قال الكاتب والمفكر المغربي طارق أوبرو إن أزمة كُورونا شر في طيه خيرٌ إذا استفاد الإنسان منه عبر تضافر الجهود ومواجهة المصير المشترك. وأشار أوبرو، وهو إمام مسجد بوردو بفرنسا، خلال مداخلة له ضمن فعاليات الملتقى السابع لمنتدى تعزيز السلم بالإمارات، إلى أن جائحة كورونا ليست عقاباً إلهياً، بل ابتلاء وجبت الاستفادة منه. وذكر المفكر المغربي، ضمن الملتقى الدولي الذي ينظم هذه السنة افتراضياً، أن "اللقاح الذي أنتجته الإنسانية اليوم هو جديد، فلو لم تكن الجائحة لما بادر العلماء إلى إيجاده"، مضيفاً أن "الشر المحض غير موجود في عقيدة الإسلام، والمهم كيف يتعامل الإنسان مع هذا الشر ليُوظفه لصالحه". وأكد صاحب عدد من الكٌتب حول الدين، من بينها "ما لا تعرفونه عن الإسلام" الصادر بالفرنسية، أن "الإنسان خرج منتصراً من أزمات سابقة عاشها"، وأشار إلى أن "العلم والتقدم لا يزيد إلى الأمام إلا بفضل الأزمات من خلال الاستفادة من التجارب والأخطاء". وذهب المتحدث إلى القول إن "هناك أسراراً في الخير لا يُمكن للعقل أن يصل إلى كُنهها، وأسباباً للشر لا يُمكن للعقل الإنساني أن ينفذ إلى أسرارها". وبخصوص الجوائح والكوارث الطبيعية، قال أوبرو إن بعضها من صُنع الإنسان مثل التلوث وتداعياته، واستحضر في هذا الصدد الآية القرآنية القائلة: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذين عملوا لعلهم يرجعون". وشرح أوبرو أن الآية القرآنية سالفة الذكر لا تعني أن "هناك عقاباً إلهياً، بل الأمر يتعلق بقانون كوني يحصد فيه الإنسان ما زرع؛ ففي الدنيا قوانين تحكمها، بعضها يفهمه الإنسان والآخر مجهول بالنسبة له، أما العقاب فهو شيء مغيب يكون ما بعد الموت". وأورد المفكر الإسلامي المغربي أيضاً أن "المعصية لا بد منها لأنها تُعلم الإنسان أخطاءه ليُصلحها بالتوبة الفكرية والخلقية وتجديد الفكر"، مؤكداً أنه "ليس هناك حتمية تجعل الإنسان ييأس من نفسه وربه". وفي اعتقاد أوبرو، فإن المسلمين في حاجة إلى عقيدة الغيرية، أي كيفية إدخال الغير المسلم في المنظومة العقائدية والأخلاقية، حيث أشار إلى أن "الفقه والعقيدة القديمة كانت تفكر مع نفسها، واليوم نحن في عالم متعولم علينا أن نعتقد مع الآخر لنعيشه معه". ويرى أوبرو أن "العولمة جعلتنا كإنسانية كُسيرية، وهي نظرية تقول بوجود الكل في الجزء، حيث نتج عن تداخل الاقتصاد والثقافات والأديان العيش في مجتمعات العالم وكأننا في قرية تتداخل فيها الثقافات بحكم وسائل التواصل السريع والمتسارع". ولاحظ المفكر المغربي أن العولمة أحدثت حركتان متناقضتان؛ الأولى تدفع بالإنسانية إلى تنميط السلوكيات وتوحيد الثقافات وطرق الاستهلاك، والثانية حركة مضادة تتمثل في الانكماش على الذات والانطواء والانزواء، وهو ما يُهدد السلم المجتمعي والسلم العالمي. وفي رأي طارق أوبرو، فإن فلسفة التطور التي وعدت بالسعادة في الدنيا عبر الأيديولوجيات والطوباويات المادية فشلت في ذلك، وهو ما جعل الناس يرجعون إلى الروحانيات والسلفية الكونية، أي الرجوع إلى المعتقدات القديمة، وهو رجوع يمكن أن يحدث عنفاً يُهدد المجتمعات. جدير بالذكر أن الملتقى السنوي السابع لمنتدى تعزيز السلم، يُنظم هذه السنة افتراضياً تحت عنوان "قيم ما بعد كورونا: التضامن وروح ركاب السفينة"، وتتركز فعالياته بمشاركة عدد من المفكرين وعلماء الاقتصاد والفاعلين السياسيين، على مواضيع عدة، منها "الجائحة وروح ركاب السفينة"، و"دور القيم في الأزمات"، و"العولمة والدولة الوطنية"، و"جوائح وليست جائحة واحدة".