معَ حلولِ عيدٍ من الأعياد، تثارُ عاصفة من الانتقاداتِ لعاداتِ المغاربة، وطرقِ احتفائهم بمواعيد لهَا رمزيتها الدينيَّة والثقافية، حتَّى وإن اقترنَ الأمر بمناسبات غير دخيلة وتنحدرُ من صميم الهوية المشتركة، ففِي شهرٍ رمضان على سبيل المثال يعيبُ البعضُ علَى المغاربة نزوعهم إلى جعلِ مناسبة روحانية للتعبد فرصةً للطهي والاستجمام، ولدَى عيد الأضَحَى توجهُ سهامٌ كثيرة للإقبال بنهم على الأكباش وإغفال جوهر المناسبة، المتجسد في قيم الحبِّ والتضحية. بيدَ أنَّ الحربَ تستعرُ بشكلٍ ضارٍ حينَ يتصلُ الأمرُ بمناسبة دخيلة، كمَا هوَ الشأنُ بالنسبة إلَى الاحتفال برأس السنة، حيثُ يشرعُ الشيوخُ في الخروج تحذيراً من التماهِي مع قومٍ مختلف، على الرغمِ من أنَّ الكثيرين لا يعبؤون، ويخرجونَ احتفالاً، على غرارِ باقي سكان المعمورة، بشكلٍ يطرحُ تساؤلاً علَى أرضية سيكولوجيَّة حولَ نفسيَّة الإنسان المغربي وهوَ يضاهِي الأوربيَّ بطقوس احتفاله، سيمَا أنَّ سيكولوجيَا الاحتفال قد حظيتْ بدراساتٍ شتَّى، وسبقَ أنَّ عدَّها رائدُ مدرسة التحليل النفسين سيجموند فرويد، طفرةً في فرحٍ مناسباتيٍّ يتجددُ بين الفينة والأخرى. الأستاذ الباحث في علم النفس، مصطفَى الشكدالي، قالَ في حديثٍ لهسبريس، إنَّ الاحتفال ببعض المناسبات كرأس السنة مثلاً، غدا يَتسمُ بتباهٍ اجتماعيٍّ، يسعَى معهُ المغاربة إلى محاكاة الآخر، في موجةٍ انسياق أكثر منهَا حالة انخراط فعال، لأنَّ جوهرَ الاحتفال يبقَى ذا صلةٍ وثيقةٍ بالقيم التاريخيَّة والدينيَّة، أو بإنجازٍ معين، ما دامَ فعلاً جماعيَّا يتمُّ في جوٍ من التآزر. الباحثُ المغرب سجَّل في النطاق ذاته، اتخاذَ الاحتفالات لدَى المغاربة طابعاً استهلاكياً محضاً يحيدُ بالمناسبات المحتفَى بهَا عن خطهَا الأصيل، المتمثل في إحياء قيم نبيلة من قبيل الحب والتضحية، فعيدُ الأضحى الذي يفترضُ أن يستحضرَ فيه المسلمون عبرة طاعة الابن للأب، استحالَ إلَى موعدٍ مع القروض البنكية المتراكمة للاستعراض أمامَ الجار بالكبش والأطعمة، وهيَ أمورٌ تبينُ حسب الأستاذ الشكدالي، عن حالةٍ من التشت يعيشُهَا المجتمعُ المغربيُّ، وما طفُوُّهَا اليومَ على السطح إلا مؤشر على وجودَ نداء استغاثة نابع من غياب الفرح. وبشأن صدور بعض الفتاوى المحرمة للاحتفال بأعياد الثقافات الأخرى، قالَ الشكدالي إنَّ التحليل والتحريم لنْ يحلُّ المشكلة، لأنَّ السؤال سوسيولوجيٌّ في ماهيته، ويتعلق بمجتمعٍ يمرُّ بانتقال متسارع الوتيرة، وما الرفضُ المنبعث من هنَا وهناك إلا تعبير عن التشتت الذي يعرفهُ النسق المجتمعي، في حينِ يبقَى الاحتفال برأس السنة الميلاديَّة في منحنى معين، احتفالاً بسنة إداريَّة جديدة، معتمدة في التقويم الذي يشتغلُ على أساسه الجميع.