يعتبر الشهر الأول من كل سنة مناسبة لتسليط الضوء على العمل الحكومي من خلال قانون المالية، الذي يوجه السياسة الاقتصادية العامة للبلد خلال 12 شهرا (المداخيل، النفقات، العجز.) في هذا الصدد، ورغم تفشي جائحة كورونا التي أثرت سلبا في معالم الاقتصاد الوطني والدولي، فإن قانون المالية لسنة 2021 لا يختلف كثيرا عن القوانين الماضية من حيث التوازنات المالية الكبرى. فالمداخيل العامة للحكومة المغربية لن تتجاوز 228 مليار درهم )90 بالمئة منها مداخيل ضريبية( في حين تجاوزت نفقات التسيير والاستثمار عتبة 331 مليار درهم، الشيء الذي سيجبر الحكومة خلال سنة 2021 على استدانة مبلغ 103 مليار درهم لكي يبلغ الدين التراكمي للخزينة العامة في المغرب حدود 894 مليار درهم، أي 77 بالمئة من الناتج الداخلي في المغرب (انظر قانون المالية.)2021 لكن، وحسب التقرير نفسه، الصادر عن وزارة المالية، فإن هيكلة الدين العمومي في المغرب تتميز بهيمنة الدين الداخلي الذي يمثل أكثر من 75% من الدين العام. بصيغه أخرى، فالدين الداخلي يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الدين الخارجي. وبناء على هذه النتيجة، يمكن الجزم بأن المدخرين في المغرب (رجال أعمال وغيرهم) أصبحوا يمتلكون مبالغ مهمة من الادخار تتجاوز كثيرا حاجيات الحكومة المغربية، بل تطور الأمر إلى إقراض الدولة 670 مليار درهم. (أي نسبة 60 في المئة من الناتج الوطني). وعليه، فإن هؤلاء المدخرين للأموال في المغرب أصبحوا المكون الأساسي للدين العمومي، أي أن ثرواتهم المالية أصبحت تتجاوز كل نفقات الحكومة المغربية بل أضحت هذه الأخيرة تدين لهؤلاء المدخرين أكثر من 670 مليار درهم دون احتساب الفوائد. ومن هنا، ألا يمكن للبرلمان المغربي اقتراح مشروع ضريبة الادخار في المغرب على هذه الثروة المالية المجمدة؟ ألا يمكن لمهندسي السياسة الضريبية في المغرب أن يجعلوا من هذه الثروة المالية منبعا مهما للمداخيل الحكومية؟ إن فرض مثل هذه الضريبة من شأنه تحقيق هدفين اقتصاديين قد يشكلا رافعة أساسية للنهوض بالاقتصاد المغربي. الهدف الأول: من شأن الضريبة على الادخار توفير مداخيل مهمة للخزينة المغربية من أجل الحد من الاعتماد على المديونية، فعوض أن تقوم الدولة بدفع تكاليف الدين (الفائدة) لهؤلاء المدخرين، فإنهم سوف يجبرون (كما يجبر كل دافعي الضرائب) على أداء الضريبة للخزينة الشيء الذي سيقلص نفقات التسيير. الهدف الثاني: من شأن ضريبة الادخار إرغام المدخرين للأموال في المغرب على تحويل أموالهم من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي )تأسيس الشركات(... الشيء الذي سوف يؤدي إلى تقليص معدل البطالة بشكل كبير وإنعاش الاقتصاد المغربي. لكن، قد يعتبر البعض أن هذه السياسة الضريبية قد تؤدي إلى آثار سلبية كبيرة تتمثل في مغادرة الرساميل المالية للتراب الوطني إلى وجهات أخرى. هذا السيناريو يبقى غير ممكن في الحالة المغربية، لأن سياسة ضريبة الادخار سوف تستهدف المدخرين بالدرهم المغربي (وليس بالدولار أو الأورو)، كما أن أي تحويل للأموال خارج الحدود يلزم هؤلاء المدخرين بالتوفر على تأشيرة مكتب الصرف الذي يمنع كل نوع من هذه التحويلات غير القانونية إلى الخارج. في المقابل، يبقى العائق الأساسي الذي قد يمنع تشريع مثل هذه القوانين، هو التحالف الحكومي غير القادر على اتخاد قرارات مفصلية تجعل من قانون المالية وسيلة للحد من التفاوت الطبقي وسياسة قادرة على توجيه دفة الاقتصاد المغربي في الاتجاه الصحيح.