يعتبر الجسد موضوعة فلسفية بامتياز، إذ ظل إشكالا تناوله الفلاسفة منذ ظهور التفكير الفلسفي عند اليونان، لذا حظي كمفهوم وكتجربة باهتمام الباحث عبد الصمد الكباص، الذي أصدر كتابا جديدا له يحمل عنوان: "الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط: خيبة التمثيل"، يشكل استمرارا للمشروع الفكري الذي دشنه بكتابه "المجرى الأنطولوجي"، مرورا بعمليه "الجسد والكونية"، و"الرغبة والمتعة.. رؤية فلسفية". وفي هذا الكتاب تناول الكباص الإنسان ككائن "لا يناسب طبيعته، ومن ثمة فهو حالة إفراط دائمة محددة بنزوع دفين إلى تعدي الحدود"، كما فند الفكرة السائدة عن الجسد باعتباره حيزا للعالم، "لأنه المكان الذي يستوي فيه العالم ويتضاعف، وفيه تفجر قوة الرغبة قوى الخيال والتصور، التي تملك صلاحية خلق وإعادة خلق العالم؛ وهكذا يتحول الجسد إلى خلفية ميتافيزيقية". وأوضح الباحث نفسه أن "الجثة تشكل الحد البراني للجسد، لكنها تشكل أيضا النقيض المطلق الذي عنده يتعذر تصور الكفاءة اليوتوبية للجسد"، وزاد موضحا: "الجثة هي استحالة ثلاثية متشابكة، إذ هي استحالة الإيقاع والرقص والرغبة؛ لذلك ظل الجسد المكان السري الذي لا يرى، والذي فيه يتكثف الغياب الذي يحضر كرغبة، بقدر ما تتأجج بقدر ما تزيده التباسا، ليغدو الجسد ليس ما هو واضح لنفسه في ما يرغب، وإنما ما يتجدد كفقدان لذاته في قلب الرغبة نفسها التي تكونه". ويشير الكباص إلى أن "الأمر الأهم بالنسبة لبنية الانتهاك (transgression) ليس هو التمثيل من حيث هو إقامة في قلب ما هو ممثَّل، وإنما من حيث هو الأثر الفاضح لما يستحيل تمثيله؛ فالحياة والجسد والمعنى ليست سوى شبكة اللاتمثيل (non-représentation) التي تغزو عالم كائن الانتهاك، الذي يحصر مشروعه في معاودة منهكة لاختراق الحدود التي يتحول من خلالها إلى حركة دائمة للفقدان الجذري للمدلول، حيث تتشكل مناعة اللغة، وتجربته كجسد تتحول إلى حركة لإتلاف موضوع الرغبة وغيابه فيها".