أماطت مداخلات المشاركين في لقاء نظمته جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، قدم فيها كتاب "المغرب-الجزائر الحذر المتبادل"، لمؤلفه الطيب الدكار، اللثام عن جوانب خفية من الدعم غير المشروط الذي قدمه المغرب للجزائر إبان خضوعها للاستعمار الفرنسي، وكذلك نظرة الاحتقار للفرنسيين تجاه الجزائريين. وروى عبد الكريم بناني، رئيس جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، واقعة استجواب ضابط فرنسي لصحافي مغربي بالجزائر في مطلع استقلال المغرب، انتهى بتوقُّع الضابط الفرنسي بأن تغدر الجزائر المغرب بعد استقلالها. تعود القصة إلى بداية استقلال المغرب سنة 1956، حيث اختطف الجيش الفرنسي طائرة مغربية كان على متنها خمسة من قادة الثورة الجزائرية كانت متوجهة من الرباط إلى تونس، وكان معهم في الطائرة الصحافي المغربي الجيلالي بنعمر، وعندما هبطت الطائرة في الجزائر خضع الصحافي المغربي لاستجواب حول دواعي تواجده مع قادة الثورة الجزائرية، ودار بينه وبين الضابط الفرنسي سجال حاد. وروى بناني أن الضابط الفرنسي قال للجيلالي بنعمر: "كيف تسمحون لأنفسكم، أنتم المغاربة، بأن تدعموا هؤلاء (سمّى الجزائريين بعبارة قدحية)؟"، فانتفض الصحافي المغربي وصرخ في وجه الضابط الفرنسي بأن الجزائريين والمغاربة إخوة، ودافع عنهم بشدة. رد الضابط الفرنسي، يضيف بناني، نقلا عن الصحافي الجيلالي بنعمر: "أنتم المغاربة لديكم دولة قائمة منذ اثني عشر قرنا، ولديكم مؤسسات، وملكية، وكنتم امبراطورية، والآن تريدون أن تدعموا هؤلاء...". ومرة أخرى انتفض الجيلالي بنعمر وثار في وجه مستجوبه الفرنسي، ودافع عن الجزائر وعن استقلالها، فرد الضابط على الصحافي المغربي: "إذا استقلّ هؤلاء (الجزائريون) فإن أول مَن سيغدرون به هو أنتم المغاربة". واقعة أخرى تؤكد وفاء المغرب للدفاع عن الجزائر في عز خضوعها للاستعمار الفرنسي، تعود تفاصيلها إلى سنة 1958، حين جاء الجنرال الفرنسي دوغول إلى طنجة، حيث كان ينعقد اجتماع زعماء أحزاب من المغرب والجزائروتونس، من بينهم القيادي الجزائري فرحات عباس، واتفقوا على البقاء ملتحمين لمساعدة الجزائر على نيل استقلالها، مع ترك مناقشة مسألة ترسيم الحدود إلى ما بعد استقلال الجارة الشرقية، وجرى التوقيع على هذا الأمر في محضر اتفاق. يروي عبد الكريم بناني، نقلا عن شخصية مغربية قال إنها ما زالت على قيد الحياة، دون ذكر اسمها، أن الجنرال دوغول طلب من هذه الشخصية أن تتحدث إلى الملك محمد الخامس بخصوص علاقة فرنسا مع الجزائر، متعهدا (الجنرال دوغول) بأن الجزائر ستصبح مستقلة، ولكن بعد سنوات، ريثما تتم تهيئة الرأي العام الفرنسي لتقبُّل الأمر. واستطرد بناني في سرد تفاصيل هذه الواقعة نقلا عن الشخصية المغربية ذاتها، بأن الشرط الوحيد الذي اشترطه الجنرال دوغول على المغرب ليفي بالوعد الذي قطعه على نفسه باستقلال الجزائر، هو أن يكف المغرب عن مساعدة الجزائريين والتوقف عن إمدادهم بالسلاح والمال، غير أن هذا الشرط قوبل بالرفض من طرف الملك محمد الخامس. وحسب المعطيات التي قدمها عبد الكريم بناني، فإن الشخصية التي لجأ إليها الجنرال دوغول لتوصل طلبه إلى السلطات العليا، نقلت، بمعية شخصيات أخرى، الأمر إلى الملك محمد الخامس، فكان رده: "قولوا للجنرال دوغول أن يحتفظ بكلامه لنفسه، أما أنا فلن أخون الشعب الجزائري، ولن يسجل عليّ التاريخ أنني غدرت الثورة الجزائرية". من جهة ثانية، اعتبر بناني أن المغرب لا يعوّل على أي طرف آخر ليحلّ النزاع في الصحراء المغربية، وأنه "يعتمد على نفسه فقط"، وزاد موضحا: "لا يمكن أن ننتظر أن تأتي دولة ما، كيفما كانت، في يوم من الأيام وتقول إننا سنحارب معكم، هذا غير ممكن لأن كل دولة لا تدافع إلا عن مصالحها". وعاد المتحدث ذاته إلى أواسط سبعينات القرن الماضي، مشيرا إلى أن المحاولات التي قامت بها الجزائر من أجل كسر "Démolir" المغرب فشلت، "لأنها كانت تتكسر على صخرة اللحمة المغربية الصلبة ومتانة الجبهة الداخلية"، على حد تعبيره. وأكد بناني أن الجبهة الداخلية المغربية قوية، "ولن يستطيع العدو كسرها"، ولكنه دعا إلى "التحلي بالحذر"، وإلى ضرورة استمرار حشد جميع مكونات المجتمع والمواطنين لتعزيز اللحمة الوطنية، وعدم ترك أي ثغرة لينفذ منها خصوم المغرب.