"الجزائر تتخلى صراحة عن كل الأطماع بالصحراء الرازحة تحت نير الاستعمار الإسباني"، هكذا خاطب "قصر المرادية" الملك الحسن الثاني، يوم 4 يوليوز 1975، عبر البيان المشترك بين البلدين المترتب عن الزيارة التي قادت عبد العزيز بوتفليقة إلى الرباط للقاء العاهل المغربي. وزار بوتفليقة، في التاريخ سالف الذكر، الملك الحسن الثاني بعد وساطة المختار ولد داداه، الذي يوصف بأنه مؤسس دولة موريتانيا الحديثة، حيث دارت بين الطرفين نقاشات طويلة وصعبة، ليتم إصدار بيان مشترك نوقشت فيه كل كلمة على حدة مرات عديدة أثناء صياغته، حتى أن بوتفليقة كان يتصل هاتفيا برئيسه بومدين. وقبل ذلك، بعث الحسن الثاني العديد من المبعوثين السامين إلى الجزائر من أجل طي الخلافات الدبلوماسية، دون أن يتم التجاوب مع دعوات الحوار الثنائية، وفق مذكرات "موريتانيا على درب التحديات"، التي تروي أن هواري بومدين علل غياب الحوار بالمفاوضات المهمة التي أشرف عليها بوتفليقة بشأن الصلح بين إيران والعراق والاتصالات السياسية مع بلدان الخليج حيال قضايا المنطقة. وفي ظل انعدام قنوات التواصل الدبلوماسي بين الجزائر والمغرب، تبعا للتوتر الناجم عن حرب الرمال، طلب الحسن الثاني من الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه إيصال رسالة إلى بومدين، مفادها أن المصلحة العليا للشعبين تجعله بحاجة إلى مخاطبة الرئيس الجزائري، حتى وإن لم يكن الأمر بالنسبة إليه كذلك. وتأسيسا على ذلك، دعا الحسن الثاني إلى إرسال عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعرفه حق المعرفة ويعتبره أقرب معاونيه في المجال الذي يشغل بال الجميع وقتذاك، بتعبير مذكرات الرئيس الموريتاني، الذي أشار إلى المرارة وخيبة الأمل الذي أحس بها الملك نظرا إلى التشنج السياسي بين الدولتين. بعدها بأيام، التقى المختار ولد داداه بهواري بومدين الذي أقر بصوابية رأي الحسن الثاني هذه المرة، ليأمر بوتفليقة بزيارة الرباط في بحر الشهر الموالي. وقد توجت الزيارة الدبلوماسية بصياغة البيان المشترك، الذي نشرته جريدة "لوموند" الفرنسية كذلك، حيث نادى بانتهاء الاحتلال الإسباني في أسرع وقت ممكن وتدعيم التعاون بمنطقة المغرب الكبير الحيوية. وبعث الرئيس الجزائري برقية تهنئة ودية إلى ملك المغرب، بمناسبة عيد الشباب؛ الأمر الذي اعتبره بعض المتابعين للشأن السياسي بداية ذوبان الجليد بين البلدين وإيذانا بالشروع في الحوار، لكن أفق عودة العلاقات المغربية-الجزائرية إلى طبيعتها بدا تلك المرة مجرد وهم كذلك، بعدما تملص بومدين من تنفيذ تعهداته إزاء الصحراء المغربية.