يستفرد الجزار بشوارع مدينة مراكش، بدل من كانت أصواتهم تسمع معلنين عن بضائعهم، في وقت يصطف من لا يتقنون مهارة النحر وسلخ الأضحية ينتظرون حرفيا قد يأتي من هنا أو هناك. ولعدم السقوط في فخ انتظار جزار قد يأتي به هذا الزقاق أو ذاك، هناك من ينسقون مع الجزارين لبرمجة ذبح أضاحيهم، قبل حلول العيد بأسابيع. وفي زمن "كوفيد 19" أصبح الأمر شبه مستعص بسبب قلة التراخيص التي تسمح بها السلطة المحلية بناء على تحاليل الوباء التي يخضع لها المهنيون. ويشكل يوم العيد فرصة للجزار، فالصباح لحظة للذبح وبعد الزوال تفتح محال الجزارة أبوابها لتقديم خدماتها للمواطنين، الذين يودون تقطيع خرافهم خوفا من تعفن لحومها بفعل الحرارة المرتفعة بالمدينة الحمراء. هذه الخدمة الجليلة التي يقدمها الجزار يوم العيد نفعها متعدد لكل الأطراف، الحرفي والمضحي، ووزارة الصناعة التقليدية، فالأول تعود عليه بمبلغ مالي مهم، وأصحاب الأضاحي يستفيدون من ذبح ماهر، يساهم في الحفاظ على جلد الخروف، الذي سيبدع فيه الصانع التقليدي بأنامله لإنتاج ملابس ومحفظات. مولاي حفيظ الإدريسي، رئيس جمعية التنمية المهنية لتجار السقط واللحوم، قال في تصريح لهسبريس: "تزامن عيد الأضحى للسنة الماضية والحالية مع جائحة 'كوفيد19'، ما جعل السلطة المحلية تخضع الجزارين لاختبارت 'كورونا' من أجل تحديد من يسمح له بذبح أضاحي المواطنين". وأضاف المتحدث نفسه: "خلال هذا العيد خضع حوالي 330 جزارا للتحاليل التي كشفت 21 حالة إيجابية، وهي حصيلة تبقى إيجابية"، مشيرا إلى أن "هذه المناسبة الدينية تتميز بارتفاع الطلب على الجزار، ما يجعل الحرفيين يعجزون عن تلبية كل الطلبات، خاصة أن المضحين يودون القيام بذلك دفعة واحدة، ما يجعل الأمر مستحيلا"، بتعبيره. وأوضح الجزار نفسه أن "كل جزار يتوفر على لائحة لزبائنه، لذا يكون مضطرا لإعطاء الأولوية لهذه الفئة"، وهذا الوضع "يفتح المجال لدخول غرباء عن المهنة، يتجولون في الأحياء، ما يسم القطاع يوم العيد بالعشوائية، ويعرض الأضاحي لذبح وسلخ غير حرفيين". كما أكد مولاي حفيظ الإدريسي أن "هذه السنة والسنة الماضية عرفتا الترخيص لعدد قليل من الجزارين، ما جعل أحياء مراكش تعرف تواجد جزارين لا يملكون تراخيص للقيام بعملية الذبح، دون أن يخضعوا للمراقبة، وهو سلوك يهدد صحة المواطنين، لأن المعنيين يمارسون هذه الحرفة بدون وسائل تعقيم، ولا تحاليل تثبت خلوهم من الوباء"، محذرا أصحاب الأضاحي من اعتماد الجزارين الجائلين، ومؤكدا أن الجمعية تتلقى العديد من الشكايات بخصوص جزارين يفتقرون إلى المهارة. وإذا كانت الأحياء الشعبية تشهد تعاون سكانها الذين تربطهم علاقات عائلية وعلاقة الجوار في ذبح الأضاحي، فإن هذا السلوك ينتفي في الأحياء الراقية والمتوسطة، التي تعتمد كليا على الجزار الحرفي. وفي تصريحات متطابقة لمن استقت هسبريس آراءهم بخصوص ذبح الأضحية بأنفسهم أو تكليف جزار بذلك، أوضح عدد كبير من الفئة المتوسطة انتداب الحرفيين للقيام بعمليتي الذبح والسلخ، فيما قلة قليلة أكدت أنها تقوم بذلك، لعدة أسباب، أولها الانتظارية المؤلمة التي تجعل الأطفال يسألون عن سبب تأخر ذبح أضحيتهم، لذا يشمرون على سواعدهم، امتثالا للقول المأثور: "اللي ما يعرف يقرا براتو وما يخيط كساتو وما يذبح شاتو وما يطيب عشاتو موتو خير من حياتو".