لسنوات عديدة، ظلت المعاناة لصيقة بمرضى القصور الكلوي في مختلف جماعات إقليم اشتوكة آيت باها، فبقي الموت يتربص بهم في كل وقت وحين. معاناة مع رحلات البحث عن العلاج ومراكزه، بما يتطلبه ذلك من بحث عن وسائل نقل مناسبة، وإن كانت غير مريحة، لا سيما بالنسبة إلى المرضى البعيدين عن مراكز تصفية الدم في المدن المجاورة للإقليم، انضافت حينها إلى جرعات متزايدة من الآلام الناجمة عن المرض وعن عمليات غسيل الكلي، وما يصاحبها من إرهاق نفسي وتعب جسدي، مع مضاعفات الحقن والتحاليل الدورية التي رسمت على أجساد المرضى آثارا "غير قابلة للمحو". ومع ارتفاع أصوات المرضى وتزايد عددهم في إقليم اشتوكة آيت باها وتنامي الوعي الجمعوي والجماعي بأهمية الالتفات إلى هذه الشريحة التي كانت تكابد المعاناة في صمت مطبق، ظهرت ببعض الجماعات السهلية جمعيات من تأسيس المرضى أنفسهم، إذ قطعت أشواطا أخرى من المعاناة في الترافع من أجل توفير وسيلة نقل ملائمة للمرضى تضمن نقلهم إلى المراكز المخصصة لتصفية الدم في كل من آيت ملول وإنزكان وأكادير؛ وهو ما تأتى بداية مع جماعات بلفاع وإنشادن ثم ماسة وبيوكرى وغيرها، مما ساهم في التخفيف من معاناة هذه الشريحة، حسب إفادات المرضى لهسبريس. وفي نفس اتجاه الالتفاتة لمرضى القصور الكلوي بإقليم اشتوكة آيت باها، بعد توفير وسائل نقل بشكل تشاركي مع عدد من المتدخلين، وبغية تلبية احتياجات المرضى المصابين بالقصور الكلوي، خاصة المعوزين منهم القاطنين بالإقليم، أنشئ مركز تصفية الدم بمدينة بيوكرى، في إطار اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمجلس الإقليمي والسلطة الإقليمية وجمعية أصدقاء المستشفى الإقليمي المختار السوسي، التي عهد إليها بتسييره؛ وهو ما ساهم في تقليص مدة رحلات العلاج التي كانت مرهقة بالنسبة إلى المرضى، فضلا عن توفر المركز على موارد بشرية ولوجستية كافية لضمان العلاج للمرضى. وفي هذا الصدد، قال الحسين فارسي، رئيس جمعية أصدقاء المستشفى الإقليمي ببيوكرى، إن مركز تصفية الدم يتكون أساسا من مكاتب للمصالح الطبية والتمريضية والإدارية، إلى جانب قاعة لتصفية الدم وفضاء للانتظار وقاعة استراحة للمرضى، فضلا عن قاعة اجتماعات وقاعة لتصفية مياه تصفية الدم وصيدلية ومطبخ ومستودع للأدوية مساحته 80 مترا مربعا، أنجز بدعم من المبادرة الوطنية. و"يحتوي المركز على 28 جهازا لتصفية الدم، واحد منها للاحتياط وستقتني الجمعية في الأيام المقبلة ثلاثة أجهزة أخرى. وكل ذلك حرصا منا على الاستجابة لتطلعات المرضى في استفادتهم من فترات تصفية الدم في ظروف مناسبة، حيث بلغ عدد الحصص التي استفاد منها المرضى إلى غاية نهاية أكتوبر من السنة الجارية 6630 حصة؛ بينما عدد الاستشارات الطبية وصلت 445، وهي أرقام تدل على الدور الذي يلعبه المركز لفائدة هذه الشريحة". وإذ لا يمكن ضمان استمرار خدمات مثل هذه المراكز وغيرها دون موارد بشرية مؤهلة، أضاف رئيس الجمعية أن الطاقم الطبي والتمريضي والإداري بالمركز يتكون من طبيبين، أحدهما مختص في الكلي والآخر عام، إضافة إلى ثمانية ممرضين وممرض رئيسي وحارس أمن نهاري، توفرهم الدولة؛ فيما وظفت الجمعية مديرا وكاتبة وثمانية ممرضين ومنظفتين وسائقين وحارس أمن ليليا. أما بخصوص عدد المستفيدين من خدمات المركز، فقال بشأنها الحسين الفارسي: "شرع المركز ب16 مريضا، وبلغ ذروته 2019 بتسجيل 94. أما اليوم، فالمركز يستوعب 78 مريضا موزعين على مختلف جماعات الإقليم؛ فيما بلغ عدد المتوفين برسم السنتين المنصرمة والجارية 22 مريضا، بينما غادرت حالتان، ليبقى أربعة مرضى في لائحة الانتظار". ولفت المتحدث إلى أنه "ومن أجل استكمال الظروف المناسبة لإنجاز مرضى القصور الكلوي لحصصهم في تصفية الدم، وبدعم من السلطات الإقليمية والمحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجماعات الترابية بالإقليم ووزارة الصحة، فإن جل المرضى يستفيدون من النقل المجاني للجمعيات وكذا الجماعات الترابية، إذ إن الجمعية لديها وسيلتا نقل، واحدة مخصصة لنقل مرضى بيوكرى والصفا نحو مركز بيوكرى، وأخرى لنقل مرضى الجماعتين إلى إنزكان وآيت ملول وأكادير؛ فيما تحذونا الرغبة الأكيدة في المضي قدما لتنزيل كل ما من شأنه ضمان استفادة المرضى من العلاج في أحسن الظروف. لنساهم بذلك، بمعية كافة شركائنا، في التخفيف من معاناتهم ذات الأبعاد المتعددة، صحية واجتماعية واقتصادية وغيرها". شريحة غير يسيرة إذن ممن وجدوا أنفسهم مجبرين، غير مخيرين، على تجديد وتصفية الدماء السائرة في شرايين أجسادهم، في رحلات شبة يومية إلى مراكز متخصصة، ضمنها مركز بيوكرى لتصفية الدم؛ غير أن الوعي الجمعوي ودعم السلطات والمنتخبين ساهما في ضمان استمرار الحصص العلاجية لهذه الفئة، مؤجلا بذلك توقف نبض الحياة لدى هؤلاء إلى حين، في انتظار مراكز مماثلة، أو على الأقل الرفع من الطاقة الاستيعابية للمركز الحالي لضمان استفادة جميع المرضى، على قدر من المساواة، من العلاج.