"التبوريدة"، أو فن الفروسية التقليدية، تراث أصيل وطقس احتفالي وهوس شخصي لدى البعض، يحتل مكانة خاصة ومتميزة لدى المغاربة في بعض الجهات والمناطق، خصوصا في المناطق ذات الطابع القروي، غير أن الوصول إلى ميدان ممارسة فن "التبوريدة"، أي ميدان الاستعراض، يحتاج إلى كثير من الإمكانيات والعمليات، أبرزها التوفر على خيول مدربة وفرسان متمرسين، حتى يكون أداء الطقس أمام الجماهير، في الحفلات والمواسم والمسابقات، مستوفيا لكافة الشروط التي تجعل هذا الاستعراض أو الأداء مميزا. ففي تجربة فريدة بإقليم اشتوكة آيت باها، تعمل جمعية "إنشادن للفروسية التقليدية" على تعليم وتدريب عدد من الأطفال والفتيان على ممارسة ركوب الخيل وفن "التبوريدة". هسبريس زارت مقر الجمعية في جماعة إنشادن للوقوف على هذه التجربة، وأول ما لفت نظرنا إسطبل به عدد من الخيول بألوان وأسماء وأصناف متعددة، وبجانبه مستودع خاص بالأعلاف، وآخر للمعدات كالسروج والبنادق والألبسة. حضر زيارتنا فرسان من صنف الكبار، ومنهم من بلغ من الكبر عتيا، كالقيدوم الحاج توبيه، أحد أبرز الفرسان المشهورين بالمنطقة، الذي لا يستقيم أي موعد استعراض بدونه. وحضر أيضا فرسان صغار وفتيان، رافقهم آباؤهم لحصة تدريبة، شرعوا بتوجيه من "مْقدَّمْ" السربة وأعضاء الجمعية، في إعداد السروج وارتداء الزي وركوب الخيل والمشاركة في الاستعراض التدريبي. آدم الهادي، أنوار توبيه، عبد الله كريمي، مروان أبعقيل، وآخرون، فتيان عشقوا فن "التبوريدة"، منهم من اشتد ولعه بها لكون والده ممارسا لها، ومنهم من كان عشقه فجائيا انطلق من إحدى حفلات أو مهرجانات "التبوريدة". وكان لافتا، وفق ما عاينته هسبريس، حرص عدد من الآباء على استفادة أبنائهم من هذه الفرصة المتاحة في إقليم اشتوكة آيت باها. واعتبر الممارسون الصغار أنهم يستطيعون التوفيق بين دراستهم والتدريبات، معلنين أن أملهم الوحيد هو الحفاظ على هذا الموروث وتحقيق نتائج متقدمة في مشاركتهم المستقبلية في التظاهرات والمنافسات الخاصة بهذا الفن. عبد الرحيم توبيه، "مْقدَّمْ" سربة إنشادن، قال في تصريح لهسبريس إن "جمعية إنشادن للفروسية التقليدية تستقطب مجموعة من الشباب الذين نكونهم لحمل المشعل، كما فعل معنا آباؤنا الذين علمونا تربية وركوب الخيل وممارسة طقوس التبوريدة منذ نعومة أظافرنا. واليوم، وبفعل تضافر جهود الجمعية، نتوفر على فريق من الفرسان الفتيان الذين تلقوا كل التدريبات الأساسية، فأصبحوا جاهزين كفرسان مستوفين لجميع الشروط ويتقنون كل الطقوس، من ركوب الخيل واستعمال البندقية إلى العروض والزي الخاص وغير ذلك، ونحن بصدد استقبال أطفال آخرين كي يخضعوا للمسار التدريبي نفسه". وعن التدريبات التي يخضع لها الأطفال والفتيان المولعون بفن "التبرويدة"، قال عبد الرحيم: "أول ما نقوم به حينما يأتينا طفل أو شاب راغب في ممارسة هذا الفن، هو تعليمه كيف يتفاعل مع الخيل؛ إذ نمنحه فرسا مطواعا يسهل التعامل معه، ثم نعلمه كيفية إعداد السرج والركوب، بعدها استعمال البندقية بطريقة تدريجية مع احترام شروط السلامة، وقبل ذلك نعلمه كل الطقوس التي تفرضها المشاركة ضمن السربة، من الدعاء إلى الاستعراض ومسك البندقية والأهازيج المصاحبة واحترام مْقدّمْ السربة، وغير ذلك". سعيد البهالي، رئيس جمعية إنشادن للفروسية التقليدية كشف ان الجمعية تأسست منذ سنة 2005 من طرف الفرسان بتراب جماعة إنشادن، إقليم اشتوكة آيت باها. وقال: "كان الفرسان يمارسون فن التبوريدة بطريقة انفرادية في غياب أي تنظيم جمعوي يؤطرهم، وجاءت الفكرة بعد ذلك من أجل الحفاظ على هذا الموروث وتطويره؛ ذلك أن ممارسة هذا الفن لا تكفي، بل إن الحفاظ عليه وتجويده ونقله إلى الأجيال الصاعدة هو الأهم بالنسبة إلينا". وعن تسيير الجمعية، صرح سعيد البهالي لهسبريس بأن "الجمعية حاليا تتوفر على إسطبل خاص هو الأول والوحيد المنظم في إقليم اشتوكة آيت باها، فهو يمسك سجلات للخيول ومستوف للمعايير التي تشترطها الجهات الوصية، خاصة الشركة الملكية لتربية الفرس التي تواكب الجمعيات التي تهتم بالفرس". وبعدما كشف أن الجماعة كانت توفر لهم دعما ب 30 ألف درهم سنويا، أعرب المتحدث ذاته عن أمله "أن تدعمنا جهات أخرى كالمجلس الإقليمي ومجلس الجهة وغيرهما، من أجل الحفاظ على هذا الموروث وتوريثه للأجيال الصاعدة، خاصة وأننا نراهن على تحويل هذا الإسطبل إلى مدرسة للأطفال والشباب لتعلم هذا الفن والحفاظ عليه من الاندثار". التخوف إذن من انقراض واندثار فن "التبوريدة" بإقليم اشتوكة آيت باها، يدحضه ما سطرته جمعية إنشادن للفروسية التقليدية من برنامج يهم تدريب أطفال وفتيان يعول عليهم عشاق هذا الفن الأصيل للحفاظ على رأسمالهم الرمزي المتوارث عن الآباء والأجداد. إلا أن ذلك لن يتأتى إلا بتوفير دعم مادي ومعنوي من المؤسسات الرسمية لمثل هذه المبادرات أمام تزايد المصاريف على الجمعية، خاصة بعد اشتعال أثمان الأعلاف وتعاقب سنوات الجفاف وتعاظم متطلبات التسيير.