حالة "احتقان حقوقي" يتشبث حقوقيون مغاربة بأنها تطبع البلاد في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مع تجديدهم مطلب "العفو الشامل" على المعتقلين بارتباط مع قضايا الرأي والتعبير، وعلى خلفية حراكاتٍ اجتماعية. وفي حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية رصد حقوقيون بارزون بالبلاد إشكالات حقوقية تطال المعيش اليومي للساكنة، وحقها في الرأي والتعبير، فيما ركز حقوقيون آخرون على ضرورة أقلمة قوانين بالمملكة وتنزيلها في سبيل الاستمرار على الطريق التي "لا تزال طويلة"، وفق تعبير الحقوقي بوبكر لركو. وتقول خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان: "لم نعد نحتاج حقوقيّا ليصف لنا وضع حقوق الإنسان بالمغرب، لأن الناس اكتووا بالواقع الحقوقي، ويعانون على مستوى الحريات والاعتقالات والمحاكمات السياسية وقمع نشطاء الفيسبوك، والجمعيات التي لا تعطاها منذ سنوات وصول الإيداع". واستحضرت الرياضي في هذا السياق نموذج جمعية "جذور" الثقافية التي "حُلّت في سابقة في السنوات الأخيرة". وتابعت الحقوقية ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلة: "شهد المغرب استغلال حالة الطوارئ الصحية باعتراف المفوضية السامية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، إضافة إلى أزمة اقتصادية ناتجة عن سياسة الدولة في الوقاية من "كورونا"؛ إذ يوجد من تفقّر، ومن فقد شغله، وأطفال ظلّوا بدون دراسة، مع وجود من ازداد غنى بشكل خطير من تجار الأزمات والأوضاع المأساوية". وتحدثت الرياضي عن "انتخابات 8 شتنبر" الأخيرة، التي قالت إنها "مرت في أسوأ الشروط، ونجح فيها منتخبون لهم أحكام نهائية بالفساد". كما توقفت عند "الزيادة المهولة في الأثمان التي دشنتها الحكومة الجديدة"، ومسها "بشكل كبير بالحق في العيش الكريم والكرامة الإنسانية للمواطنين المغاربة"، وهي ضمن "مؤشرات تظهر بأننا في وضعية كارثية فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان". وتوقفت الحائزة على جائزة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان عند استعمال ما أسمته "أسلوبا جديدا للقمع"، مثل "صحافة التشهير، والتشويه، والمس بالأعراض والحياة الشخصية، والتنصت على الهواتف، والتصوير في غرف النوم، واتهام النشطاء والصحافيين بالجنس والمال بهدف المس بهم، وخلق فراغ حولهم حتى لا يتضامن معهم الناس". من جهته، ذكر بوبكر لركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن بناء دولة الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان "بدأ في المغرب"، لكن "لا تزال الطريق طويلة". وأضاف في حديث مع هسبريس "لا يزال من الواجب أن نلائم قوانيننا مع الاتفاقيات والعهود الدولية والبروتوكولات التي صادق عليها المغرب، وهذا هو الورش الأساسي الذي ننتظره من الولاية الحكومية الحالية، خاصة أن البرنامج الحكومي أشار إلى وجود تغييرات أو تحيين لِقوانين؛ خاصة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، ونتمنى أن يشمل ذلك أيضا قانون الحريات العامة؛ خاصة التجمع والتظاهر وتأسيس الجمعيات لأنها تحتاج تحيينا مع ما جاء في دستور 2011، والاتفاقيات الدولية، والمكتسبات التي راكمها المغرب". وتابع لركو قائلا: "ننتظر قانونين منذ 2014 لم يأخذا طريقهما بعد، هما القانونان المتعلقان بالهجرة واللجوء، مع تحيين الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وإعمالها، مع التشديد على ضرورة إعمالها، هي والأرضية المواطنة لنشر ثقافة حقوق الإنسان". أما عبد الإله بنعبد السلام، منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، فتطرق إلى تسجيل العشرية الثانية بعد دستور 2011 "تراجعات كبيرة بالمقارنة مع وعود الدولة المغربية عبر مسار هيئة الإنصاف والمصالحة، وبعض ما حمله دستور 2011 في الشق المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية". وأضاف الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، "يوجد تراجع خطير أفرغ الوعود بالإصلاحات الحقوقية العميقة من مضامينها ومعانيها، ووقعت انحرافات بشكل شبه ممنهج". وتابع شارحا "نلاحظ أن مستوى عيش السكان يزداد تدهورا، من حيث انخفاض القدرة الشرائية وجمود الأجور، وارتفاع الأسعار، وهو ما يمس بالحق الأساسي في الحياة الكريمة. كما يوجد مس بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما نراه في قمع الاحتجاجات السلمية، ومتابعة الصحافيين، وإلباس قضاياهم لَبوسا قانونيا في ظاهره، لكنها في المسارات والموضوع تطبعها ممارسات انتقامية، والربط بقضايا الجنس والمال، والإدانة بأحكام قاسية". ونبه بنعبد السلام إلى مسألة "المس بحق تأسيس الجمعيات، الذي نلاحظه في التماطل والتسويف في تمكين الجمعيات وعدد من الهيئات من حق وصل الإيداع القانوني لما تقدم ملفاتها إلى السلطات. ورغم صدور أحكام للمحاكم الإدارية بهذا الصدد، فإن السلطات المعنية لا تمتثل". وزاد قائلا: "لا تزال تعرض علينا حالات معاملات قاسية ومهينة يتعرض لها مواطنون بمراكز الاعتقال أو أثناء تظاهرهم، وكل هذا يمثل تراجعا للدولة عن التزاماتها الحقوقية الدولية، التي من المفروض أن تلتزم بها، وتعمل على إعمالها لا الاكتفاء بالمصادقة عليها، وهو ما تضاعف مع فترة الجائحة. وهنا نشير إلى أمر خطير هو أن الدولة استغلت الجائحة، كما أشارت إلى ذلك المفوضية السامية لحقوق الإنسان، للتضييق والتعسف على عمل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والحريات". وتوقف الحقوقي ذاته عند ذكرى 10 دجنبر من سنة 2020، الذي أعلن فيه المغرب "التطبيع مع كيان استعمار واستيطان وآبارتايد، واختير له بصلافة هذا اليوم ذو الدلالة الرمزية الحقوقية، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لإعلان إعادة تطبيع العلاقات مع كيان مجرم، وفي هذا اعتراف بالاستعمار، واقتلاعِ شعب من أرضه، واستبداله بآخر"، بتعبيره. وأمام "أوضاع البلاد التي تعرف احتقانا، تدل عليه الاحتجاجات المستمرة على مختلف قرارات الدولة"، وآخرها إجراء أعلنه وزير التربية الوطنية "يحرم شبابا من الحق في الشغل، في قطاع التعليم، لتجاوزهم ثلاثين سنة"، يرى منسق ائتلاف هيئات حقوق الإنسان المغربية أن "النقطة الوحيدة التي يمكن اعتبارها إيجابية في فترة "كورونا" ما قامت به الدولة في المجال الصحي من تطعيم للمواطنين بشكل كبير". وفي ظل هذه الصورة التي رسمها حول أوضاع البلاد، شدد الحقوقي ذاته على الحاجة إلى "الإفراج العام" عن المعتقلين في قضايا ترتبط بالرأي والتعبير والتظاهر؛ لأن "الوضع محتقن على جميع المستويات، ولرفع هذه الحالة، وإعادة مد جسور الحوار والتفاعل مع منظمات المجتمع المدني والقوى المدافعة عن حقوق الإنسان، يجب أن تعود الدولة إلى رشدها في هذا الموضوع، وتأخذ إجراءات تعيد الثقة إلى الناس بأن هناك توجها نحو الإصلاح، ومعالجة القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وإلا ما الفائدة من مسار الدولة في الإنصاف والمصالحة، الذي ارتكز عنوانه على (الإنصاف) و(المصالحة)؟".