كنا ونحن صغار، نجتمع صبيحة يوم عرفة، عرفة المغربية وليست عرفة السعودية! فنأخذ أكياسا بلاستيكية، ونتوزع مجموعات ثلاثية، ونتفرق في شوارع حينا ودروبه، ونطرقُ أبواب المنازل مرددين نشيدا جميلا نصه: “عَرْفَه عَرْفَه ميمونه حُطّْ يدك فالمَيْدونَه باشْ نْعَرْفوا حَوْلينا حَوْلينا فالجنه والجنه مْفتوحه تْشُخْ باع أَمُولاي الطالب طيّبْنا فْقْدامُو فجْبل عرفه والكعبه المُشَرَّفه هاذْ الدار.. إينا دارْ؟ الله يْخَلّي مُولْ الدارْ جُوجْ حْوالا مْذْبوحين وجُوجْ قْوالب دْالسكرْ حُوزُونا ونْحُوزوكوم فالجنه وْنْصِيبُكوم..” وكانت ربة المنزل تُخرج لنا في أغلب الأحيان طحينا، وأحيانا قطعة نقدية لا تتعدى درهما، وتطلب منا الدعاء، الذي ترجو بركته لكوننا أطفالا، لم يبلغ الحلم أكبرُنا.. وأحيانا نادرة كنا نواجه ب “الله يسهل أولادي..” أو عبارات قاسية.. وكنا نردد لمن أعطانا شيئا: “الله يْعَمَّرّ هاذْ الدارْ، بالقْوالْبْ دْالسُّكَّرْ”، ونردد لمن صَدَّنا: “الله يْعَمَّرْ هاذْ الدّارْ، بالفْراقْشْ دْالكَيْدار” ثم نهرب مسرعين كالريح حتى لا يُجَرَّ أحدنا إلى داخل الدار.. وكنا نقوم بهذا النشاط، أو إن شئت قل نلعبُ هذه اللعبة جميعا، لا يتخلف منا أحد، بالرغم من كون أغلبنا أبناء أسر متوسطة الحال، وكان أغلب أطفال مدينتنا يقومون بذلك، حتى تسمع أصوات النشيد كدوي النحل هنا وهناك، وكنا إذا أَبْعدَت مجموعة منا النُّجْعَة، ودخلوا حِمًى ليس لنا، وصادفهم أبناؤه، يسلبونهم ما جمعوا ويضربونهم، ولا سيما إذا كانوا أكبر منهم سنا وأكثر عددا.. وعند نهاية الجولات قريبا من الظهر، كنا نجمع ما حصلناه، فنضم القطع النقدية، ونأخذ الطحين عند “با عبد الرحمان” رحمه الله، صاحب الدكان القديم الذي يقبل طحينا ناقص الجودة، فيشتريه منا بأقل من نصف ثمنه، ونقتسم الحاصل بيننا بالتساوي، ونضمه لما سوف نحصله يوم العيد..