مضت ساعات وأنا لم أستطع استيعاب خبر إقدام صديقي عبد النور على الانتحار حرقا داخل مقر عمله بثكنة الوقاية المدنية بالقصر الكبير. عبد النور ذلك الشاب الذي يشع النور من وجهه كلما التقيته بابتسامته المعهودة، ووجهه البشوش. كان هادئا، رزينا، محبا للحياة منذ أن عرفته أول مرة ونحن في سن الثانية عشرة، درسنا مع بعض في القسم الأول إعدادي (السابعة) وأمضينا مراهقتنا ما بين المنصور الذهبي وحي السلالين وملعب الشوك. كنا نستيقظ كل صباح لممارسة رياضة العدو ما بين القصر الكبير ودوار عين عبيد لكي نجمع اللياقة اللازمة التي ستؤهلنا لخوض مباراة الالتحاق برجال الوقاية المدنية بعد الباكالوريا. كان رئيس الثكنة آنذاك دائما يشجعنا على الرياضة ويخبرني أنه يجب علي المثابرة والمثابرة لتأهيل جسدي للحصول على صحة جيدة، وهذا الشيء الذي استفدته من هذا الحماس الرياضي بالرغم من تغيير اهتمامي آنذاك وتوجهي للدراسة بالجامعة. ظل صديقي عبد النور كما عهدته عاطفيا محبا للحياة مسالما لا تسمع منه كلمة سوء، إلى أن قرر أن يضع حدا لحياته بطريقة دراماتيكية، أكيد أنه لم يكن يقصد قتل نفسه بل قتل شيء جاتم على صدره أشد حرارة من النار التي أفنت جسده. رحمك الله صديقي العزيز، وغسل جسدك المحترق بالماء والثلج والبرد.