“هذه بنتي وبنت المغرب”( علال الفاسي ) . كلما استحضرنا الأديبة خناتة بنونة الا واينعت ذكريات، واشرقت صفحات تخلد أعمالها الجليلة ومواقفها النبيلة التي مازالت تشع في الذاكرة والوجدان. وحين نعود لتاريخ هؤلاء الماجدات فإننا نخلق القدوة للأجيال الصاعدة من أجل التأسي بهن واقتفاء اثرهن ولربط الماضي بالحاضر ولابراز قيمة المرأة المغربية عبر الزمن. ولدت اديبتنا في 24شتنبر1940م بفاس المدينة التي أنجبت النساء والرجال الذين امتد اشعاعهم في كل ربوع الوطن وخارجه. زاولت مهنة التدريس كمعلمة لتتقلد بعدها مهمة مديرة لثانوية ولادة بالدار البيضاء. توطدت علاقتها بالكتابة والقراءة وهي مازالت صبية بتشجيع من والدها. وابتدات مشوارها الابداعي بكتابة الشعر فالقصة ثم الرواية وفي سنة 1965م اصدرت بتمويل من والدها اول مجلة ثقافية نسائية بالمغرب أطلقت عليها الشروق لتناسب مرحلة جديدة أشرقت فيها شمس الحرية والاستقلال. استثمرت اديبتنا القضايا الوطنية والقومية في كتابتها الابداعية فتبنيها للقضية الفلسطينية نابع من قناعة راسخة ووعي تشكل حين نزلت بالقدس مع ابيها في الطريق لاداء فريضة الحج حيت رأت الناس مشتتين في خيام ممزقة يعانون من لفحة الصحراء وحر الهجير كما أن اطلاعها على كتاب بروتوكولات صهيونية جعلها تستشعر الخطر المحذق بالبشرية جمعاء لا الفلسطينيين فحسب. وهي بفلسطين كتبت اول قصة في حياتها حول صبية تعاني من قمع الاحتلال لتتوالي كتاباتها الملتزمة البعيدة عن الأنثى والجسد، وعن التحدي وإثبات الذات قالت:(قضيتي ليست قضية التحدي وإثبات الذات انا امرأة عادية صادقة في اختياراتي متبنية قضايا وطني وهذه الأمة.) صدر للاديبة خناتة بنونة العديد من الإصدارات التي تنوعت مابين المجاميع القصصية ومابين الروايات دشنتها بالمجموعة القصصية ليسقط الصمت 1967 ورواية النار والاختيار 1969م وفيها تبرز صورة المرأة المغربية الشامخة والملتزمة التي تضحي بالزواج في سبيل الكفاح والنضال من أجل المبادى والمواقف، وتدعو الروائية أيضا الي العمل والجهاد من أجل تحرير الأرض وليس الشكوى والانين. وتعد “النار والاختيار” أشهر أعمال خناثة بنونة إذ نالت عليها جائزة المغرب للكتاب وقدمتها هدية لمنظمة التحرير الفلسطينية ويروي ان النسخة الواحدة بيعت في المزاد بمليون فرنك. والرواية تقررت من لدن وزارة التربية الوطنية في جميع ثانويات المغرب لسنوات طوال. وفي سنة 2013 منحها الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب جائزة القدس وكعادتها تبرعت بقيمتها لبيت مال القدس دعما للنضال الفلسطيني فالقناعة ثابتة في كون المثقف الفاعل هو الذي يتبنى قضايا وطنه وأمته العربية والإسلامية وليس ذلك المثقف اللاهث وراء الشهرة والبريق والربح المادي. ومما يبعث على الفخر والاعتزاز توصل اديبتنا بتهنئة مولوية سامية من العاهل الكريم محمد السادس نصره الله:(اننا لنعبر لك عن اعتزازناالبالغ بهذا التكريم المستحق الذي يعد تتويجا لابداعاتك الأدبية بمختلف اجناسها خاصة الروائية منها والقصصية التي أثرت الساحة الثقافية والفكرية المغربية والعربية كما يعد أيضا اعترافا بنضالك من أجل نصرة القضية الفلسطينية وعلى راسها قضية القدس الشريف التي توجد في صلب انشغالات المغرب الدائمة ونوليها بصفتنا رئيسا للجنة القدس الشريف أهمية خاصة باعتبارها قضية الأمة الإسلامية الاولى). ومن المواقف الشجاعة لاديبتنا والتي تبرز انشغالها بالقضايا الوطنية ماضيها وحاضرها ومستقبلها رأيها في محاولة اعتماد الدارجة في المناهج والمقررات الدراسية إذ قالت عبارة تلخص موقفها (المرتد عن لغته كالمرتد عن دينه) وخناتة بنونة ليست اديبة فقط وإنما أيضا مناضلة في صفوف حزب الاستقلال وكانت تربطها بالزعيم علال الفاسي علاقة روحية فهو الذي قدم لكتابها الأول “ليسقط الصمت” وايضا تبرعت لمؤسسته الفكرية 2006م احد اصداراتها مما يدل على وفائها لابيها الروحي. تشرفت الأديبة خناتة بنونة بنيل وسام العرش 2015. كما كرمت من طرف الائتلاف الوطني للغة العربية2015 ومن منظمة المرأة الاستقلالية 2019م أنعم الله على اديبتنا بالصحة والعافية واطال عمرها فهي تمثل راسمالا لا ماديا يجب الاعتزاز بها.