إذا كانت مدينة القصر الكبير تمتلئ بكثير من الأضرحة والأولياء، سواء في عدوة باب الواد أم في عدوة الشريعة كما هو معروف، بسبب ما امتازت به خلال تاريخها، من مؤسسات دينية ودنيوية، من أجل العلم والزهد والتصوف؛ فقد اختلفت الغايات من زيارة تلك الأضرحة، لدى سكان مدينة العلم والدين والحضارة هذه. نحن في هذا المقال، فسنهتم بواحد من الأضرحة التي اختلفت الغاية من زيارته عن مثيلاتها المتعلقة بأمور الحياة والصحة والزواج وما شابهها. إنه ضريح اعتبر مزارا من أجل استشفاء الأطفال المشاغبين (المجعورين). ذلك هو ضريح سيدي سليمان بن عبد الوهاب، وهو شريف علمي كما يذهب ميشو بيلير، ويعتبره مع سيدي قاسم المجول، أول من دخل من المسلمين مدينة أصيلا من فوق السور، حين غادرها المسيحيون، زمن المولى إسماعيل (انظر: القصر الكبير: مدينة في إقليم من المغرب الشمالي، تر. د. عبد المجيد المصباحي، جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، 2018، ص. 179). ويقع هذا الضريح في ملتقى النيارين والمرس ودرب سيدي سليمان المؤدي إلى المطيمار. وقد اشتهر لدى الأهالي في الماضي، بتربية الأطفال المزعجين وفق وصف ميشو بيلير التالي: ((تحمل إليه الأمهات أطفالهن المرضى خاصة الذين يبكون بدون توقف، يحبسنهم داخله في وقت صلاة المغرب ويتركنهم لوحدهم طيلة مدة الصلاة، ويأخذنهم بعد ذلك))(نفس المرجع، ص. 179). والطريف أن قصاص النيارين مصطفى يعلى، كان قد وظف هذا المشهد المخيف، في قصة بعنوان (الطفل الشرس)، ضمن مجموعته القصصية “دائرة الكسوف”، الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق سنة 1980، ونجتزئ منها بالمناسبة هذه الصورة البليغة: ((ضريح سيدي سليمان موحش. قطعة من الظلام هو. كل ما فيه أسود؛ (دربوزه) الخشبي الحائل الذي نخره السوس، حصيره القديم، قناديله المنطفئة، كراته الحديدية الكبيرة الغارقة في الزيت والشمع عند الزوايا، كراته الزجاجية المتدلية من السقف بأسلاك صدئة، جدرانه المتصدعة المبقعة بالرطوبة، شبابيكه الحديدة المخضبة بالحناء والصدإ… داخلت البشير قشعريرة وبرودة. ترصد أباه باحتراس وهو ينحني ليقبل (الدربوز) مدمدما ببعض الكلام، وهو يضع نقودا في صندوق هائل تحت أحد الشبابيك المطلة على الخارج، وهو يأمره أن يقبل (الدربوز).. فأطاع وعيناه تدوران في محجريهما. أحس يد أبيه ثقيلة عنيفة تدفعه في اتجاه مقبرة الضريح. وراء الضريح توجد مقبرة صغيرة. يرين عليها سكون رهيب. يحيط بها سور عال. تتوسطها شجرة زيتون هائلة، فارعة، لا تحمل ثمارا. كان هناك بعض الآباء والأمهات مصحوبين بأطفالهم، متناثرين هنا وهناك. بين الفينة والأخرى يتبادلون بعض الكلمات فيما بينهم، أو مع أمي فاطنة.. السماء رمادية في لون الرصاص، تكفن كل شيء بالشحوب. سرب كبير من الغربان يحط على فروع الزيتونة الفارعة، يحوم في سماء المقبرة وينعق، بينما تجمع في أعين الأطفال رعب العالم.. تسللت أمي فاطنة من المقبرة إلى الضريح بعد أن سلمت الآباء بعض الحبال. هجم الآباء على الأطفال. جعلوا يوثقونهم إلى شواهد القبور. الأطفال يقاومون بأيديهم وأرجلهم الصغيرة. يصرخون. يحتقنون وكأنما انسدت الأبواب على أصابعهم. البشير مرعوب. استسلم لأبيه وهو يشد وثاقه. ارتفع صوت المؤذن لصلاة المغرب. هرع الآباء والأمهات ينسحبون من المقبرة. أغلقوا الباب وراءهم تاركين الأبناء يركلون بأرجلهم، يصرخون، يكادون أن يقيئوا حناجرهم..))(ص. 25 26). وهكذا تنضاف إلى ما كانت تقوم به الأضرحة من وظائف شتى، باعتبارها مزارات تحقق مختلف الآمال، وظيفة أخرى استشفائية هذه المرة، غاية في الإساءة إلى الطفولة البريئة. غير أنه يمكن ربط هذه الممارسة المتخلفة، بمدى الوعي الديني والثقافي الذي كان سائدا في الماضي.