إنه القطار الذي كان يربط بين العرائش و القصر الكبير ، في الخمسينيات ،”tanger-fes” الزمن الذي كان مختلفا بكل مواصفاته من حيث عاداته و تقاليده النبيلة التي تتماها و قيمه الاجتماعية و الانسانية من حيث ظروفه المعيشية و أسبابها التي تغلب عليها البساطة و القناعة و التعايش مع جميع الظروف و الأطراف. من خلال ذلك اتطرق في هذا السرد المتواضع الى قطار – tanger fes- الذي كان يريط بين القصر الكبير و العرائش الذي عايشتة في اسلوب حكائي اتمنى أن أوفق فيه. ******** أتذكر تطاير شرارات نيران قاطرته بين الركاب و أنا أمتطيه رفقة والدتي ، و عمري السبع سنوات ، فتدثرني بجزء من ردائها( الحايك الأبيض)الذي كانت تربطه على مستوى العنق و طرفي الخصر بخيط حريري و تتلحف بجناحيه على الراس و الصدر و هي تقول لي ( عنداك الفطاوش اولدي حضي عينك ) كان يسير سير المتباطئ المنهوك يعوي عواء ذئب مبحوح و بصليل عجلاته يصك الآذان كأنه يئن من ثقل ما بجوفه و يريد التخلص منه ، يتصاعد من جنباتها بخار أبيض ، فيختلط بالدخان الأسود الذي ينبعث من عادمه العلوي جراء احتراق الخشب ، و الفحم الحجري الذي يقذف به عامله المتسخ الملابس الزرق و الوجه برفش قصير المقبض في فرن الاحتراق و هو يرطن بالاسبانية adelante seniores a laratche فيغمر هامة القاطرة خليط دخان بني عند اندفاعها الى الامام ، تتمايل من ورائها مقطورتين يمينا و شمالا تشرئب من نوافذها رؤوس الراكبين برزاتهم و أقباب جلابيبهم تتزحزح حسب حركات المقطوراتين . كان هذا القطار يقضي حوالي الثلاث ساعات بين القصر الكبير و العرائش ، فلا تصل إلا منهوك القوى و ثقب على الملابس من شرره المتطاير ، و رغم ذلك كانت له مزاياه في نقل البشر و ما حضر ، حتى الضأن من الغنم و المعز و الدواب و ما صغر من البقر خصوصا أيام الأسواق الأسبوعية ، كالأحد بالقصر الكبير و الخميس بالعوامرة. كان الركاب خليط من ساكنة المنطقة حضريون فيهم إسبان بطرابيشهم و أحزمة تربط سراويلهم على الاكتاف ، منهم من يدخن لفافة سيجارة اعدها من علبة تبغ كانت تدعى -tangerina – في ورقة “ليبرو “و هميحدثون بعضهم أو مرافقاتهم من النسوة ، في توجس واضح من باقي الركاب ، بجوارهم العلية من القوم يجلسون على الكراسي الخشبية في جلابيب و بدعيات و سراويل فضفاضة ، و يهود اعتلت رؤوسهم قلنسوات لكن لباسهم لا يخلتف عما يرتديه العامة الذين يقتعدون الأرض أو القرفصاء ، فيهم جبليون ، يعتمرون شاشيات مزينة بزهيرات صوفية ملونة و جبات قصيرة على اكتافهم اجربة جلدية (شكارة) و نساؤهم يرتدين سبنايات وتزازير تغلب عليها خطوط حمراء ، و بدويون من قبيلة الخلوط بجلابيب خشنة و نساؤهم في زكادين ثوب يويو البيضاء مربوبطة الى الاعناق بكتفيات فضية او حمالات من الخيط و هم يتبادلون اطراف الحديث عما عاشوه في يوم تسوقهم في تباعد واضح بين النسوة و الرجال ما عدا المرافقات من الإسبانيات . عند إقبال القطار على محطة العرائش ، يبدأ عواؤه في التعالي كأنه عويل طفل وجد ضالته ، فيتحرك الراكبون استعدادا للنزول ، فمنهم من يحمل سلات أوقدور تحوي بيضا أو خضرا ، بعضها مغطى بورق شجر أو خرقة لإخفاء أشياء عنوة عن أنظار المتلصصين مربوطة بحبل دوم ، أو خيط ثوب بال ، فتشرع النسوة في جذب صغارهن للالتصاق بهن ، خوافا من السقوط ، فيختلط صوت الدجاج الحي بصليل توقف القطار و تشتشات فرامله و همهمات الرجال ، فينزل الجميع في تسابق مرح فرحا بركوب القطار و الوصول بسلام.