كان ،” ريكاردو ” أستاذا بكلية الطب و الصيدلة ،و اشتهر في الأوساط العلمية عامة و الجامعية خاصة بكفاءته و قدرته البيداغوجية على التواصل مع الجمهور الطلابي العريض. كما عرف ببحوثه العلمية الجد متقدمة و التي تحمل ،غالبا، في طياتها معلومات و نظريات جديدة مع ما يرافقها من مناقشة غنية و مستفيضة ،و تعليقات توضيحية تسلط الضوء عليها و على الإطار الذي تتواجد فيه. مَثَّلَ الكلية في ملتقيات علمية عالمية ،و لقيت تدخلاته صدى طيبا و استحسانا وسط المتناظرين و المؤتمرين و المهتمين ،لأنها كانت حبلى بالمعطيات العلمية الحديثة. كما كان يقع الإقبال على المجلة العلمية المسماة :” perspectives ” وجهات النظر ” كلما تضمنت مقالاته. كان ” ريكاردو ” ذو حس نقدي و علمي كبيرين ، مؤمن بأفكار طيبة مؤداها توزيع ثروات البلاد من أجل استفادة الجميع منها ،محاربة الفساد و احترام حرية الأفراد. و لعل هذه القناعات استنبطها من تعاليم دينه المسيحي ،باعتباره كان شديد الإيمان به و مقتنعا بمضامين الكتاب المقدس بالرغم من تكوينه العلمي المتقدم. كان الرجل قصير القامة ،ممتلئ الجسد ،خفيف الحركة و سريع الخطوات ،بشعر رأس رمادي و خفيف نتيجة للصلع الذي اجتاحه، يحمل نظارات طبية ، لون زجاجها بني. وجهه كان دائما محمرا و كأنه فرغ للتو من حصة للرياضة،كما أن بعض أسنانه كانت اصطناعية حيث تبدو أسلاك طبية صغيرة تسندها ،كلما فتح فمه أو ضحك. إنه ” ريكاردو ميدينا” ،و اسمه كان يدل على كونه سليل لأسرة مورسكية( المدينة -Medina ) و ابن إحدى المدن الصغيرة لجنوب اسبانيا ،استقر ب ” اشبيلية ” بعد أن تابع دراسته الجامعية فيها و عمل أستاذا في نفس المؤسسة. هو ابن أسرة متعددة الأشخاص ،ابوه كان يمتلك ورشة لإصلاح السيارات. أدرك و منذ نعومة أظافره أنه ذو أصول عربية ،فحاول التعرف على حضارتها ،بطولاتها و ادابها و خاصة أشعارها الجميلة من خلال مراجع ذات الصلة. و خصص وقتا كثيرا في قراءة القرآن و تفسيراته. و هكذا و بخلفيته المسيحية و إبحاره في علوم القرآن و الثقافة العربية / الإسلامية ، أقتنع بقيم التسامح و التعايش بين الأديان و الثقافات و احترام الأقليات. كان ” ريكاردو ” كثير الدراسة و البحث و العمل ،لذلك كان قليل النوم و الأكل. لاحظ طلبته و زملاءه الأساتذة و كذا أعضاء أسرته غيابه الكلي عن لماتهم و اجتماعاتهم ،و انصرافه الكامل للعمل و البحث في مختبر الكلية . أبتعد ” ريكاردو ” عن كل مرافقيه، و جعل من مختبر الكلية محرابا له ،يؤدي فيه صلواته اليومية التي مؤادها، إجراء تجارب و بحوث علمية. كان يهذي و هو يمشي في الشوارع ،و أحيانا يهمهم و كأنه فقد صوابه. يتبع…