مع بداية فترة التسعينيات من القرن الماضي هبت على دول المعسكر الاشتراكي رياح الديمقراطية، فسقط جدار برلين وتجزأ الاتحاد السوفياتي إلى دول مستقلة. وخطت هذه الدول خطواتها الأولى نحو إقرار آليات الديمقراطية والتداول على السلطة والقطع مع النظام الشمولي الذي يتحكم فيه الحزب الواحد. وبعد عشرين سنة من حقبة التسعينات تلك، هبت مجددا رياح الربيع الديمقراطي على العالم العربي، فكانت مصر على موعد مع التغيير في هرم نظامها السياسي بعد ثورة يناير 2011 وتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن رئاسة الدولة ببيان تلاه نائبه بإيعاز من قيادة الجيش المصري. وفي العامين ونيف الذين أعقبا الثورة المصرية، ظلت القوى الحية بمصر تتلمس طريقها نحو التعددية السياسية، والقبول بالاختلاف والعيش المشترك بين كل أطياف ومكونات المجتمع المصري، فكان اللجوء إلى المنهجية الديمقراطية بانتخاب جمعية تأسيسية تشرف على وضع دستور للمرحلة الجديدة، وكذلك دخلت مصر في مسلسل انتخابي، كان الفيصل فيه والكلمة الأخيرة لصناديق الاقتراع، فتشكلت أغلبية اقتضت قواعد اللعبة الديمقراطية أن تكون في سدة الحكم. لكن التجاذبات بين قوى الأغلبية المشكلة أساسا من تيار ما يسمى "ائتلاف القوى والتيارات الإسلامية" الذي يشكل حزب الحرية والعدالة قوته الرئيسية، وقوى المعارضة التي تطلق على نفسها " جبهة الإنقاذ الوطني" أوالأحزاب الليبرالية، وصلت إلى مرحلة "كسر العظام" حسب بعض المحللين السياسيين. الأمر الذي أدى إلى تدخل الجيش المصري في العملية السياسية وتعليق العمل بالإعلان الدستوري وحل مجلس الشعب، والاستئثار بسلطات استثنائية تخولها عزل الرئيس المنتخب، وتنصيب رئيس المحكمة الدستورية رئيسا للبلاد. هذا التدخل من قبل الجيش في العملية السياسية ليس له من تصنيف غير الانقلاب على المنهجية الديمقراطية والشرعية الشعبية المعبر عنها إما بواسطة الانتخابات أو عن طريق الاستفتاء الشعبي. وعلى سبيل المثال، لا يمكن تصور أن يتدخل الجيش الفرنسي في العملية السياسية في فرنسا أو أن يقدم على إقالة الرئيس تحت أي مبرر، لأن الجيش في الدول الديمقراطية مؤسسة وطنية لا يمكن لها أن تغوص في حلبات الصراع السياسي. القوات المسلحة المصرية، أو الجيش المصري يعد عاشر أكبر قوة عسكرية في العالم، ويصنف على أنه الأول عربيا وإفريقيا، وتؤكد عدة أبحاث أن الجيش المصري عرف تطورا ملحوظا من حيث الإمكانيات والجهوزية القتالية، وهو ما يحقق نوعا من التوازن الاستراتيجي في المنطقة. وبالرغم من محاولة الجيش المصري تسويق صورة المؤسسة الوطنية التي تسهر على حماية الوطن من أي اعتداء سواء كان خارجيا أم داخليا، وتقف على الحياد بين أطراف الصراع السياسي، إلا أن الوقائع على الارض تثبت أن الجيش المصري، غارق في المستنقع السياسي. والسؤال الذي يظل معلقا، هل الجيش المصري - رغم عقيدته العسكرية العريقة - على قلب رجل واحد؟، أم أن الخطوة التي أقدمت عليها قيادة الجيش الحالية لا توافق عليها قيادات عسكرية أخرى، ويمكن في أي لحظة أن تقوم بخطوات مغايرة لتصحيح الوضع أو لإيجاد موطئ قدم في الوضع الجديد كما يحدث في أغلب الانقلابات العسكرية؟. إن رياح الربيع عادة ما تحمل معها نسمات عطرة، لكونها رياح موسم التلاقح بين الازهار. أما رياح الصيف فعادة ما تكون جافة ومحملة بلهيب ساخن يلفح الوجوه. ومع هذا فهناك الكثير ممن يستهويه الصيف رغم قيظه وقضيضه، فالربيع بالنسبة لهؤلاء موسم الحساسية المفرطة.