في كل مرة يُلمحُ لإصدار قانون جديد، تتسابق الأصوات للزئير والأيادي للتنديد والثورة ضده. تمتلئ الحيطان الزرقاء بالانتقاد والاستنكار كبركان يشهد ذروته يفور وثم تنزلق ناره بفعل الجاذبية. نحن الشعب المغربي التائه، بعض منا يشبه كراكيز مربوطة بخيوط من كذب، وبعض يقف عند الباب المخلوعة مذهولا لا يدري أي دربا يسلك، وآخرون يتمسكون بكراسيهم الناعمة كلما اشتدت حدة الصياح. هذا الوطن أصبح مسرحا عار لا سقف يحميه، خجلت أن أشبهه بكوخ دجاج الكل يهتف ولا يفهم أحدنا الآخر. كتبت سابقا: وطن في غرفة العناية المركزة حينما ثار أطباء البلد ضد الطب والخوصصة والإهانة، واليوم أتساءل إن كان الوطن مازال بهذه الغرفة؟ التعليم، الورقة الرابحة أو الجوكر، قشة الأمل أو الألم التي يتشبث بها برعم المغرب ليعانق سماء الحلم. المدرسة العمومية تحترق على مهل، يغتصبون حرمتها ويُيَتِمون أبناءها. استنسخوا من ضلعها التعليم الخصوصي، فصار من الإجبار على الطبقة المتوسطة مواكبة السير، وإلحاق أبنائهم بالخوصصة وذلك لأسباب لا يمكن غض البصر عنها. في الوقت الذي كانت تعتبر المدرسة العمومية مهد التربية قبل التعليم، كنا نفتتح اليوم بأمير الشعراء ونقف للأستاذ تبجيلا، نتنافس في تقييم حسن السيرة، كانت المدرسة منزلنا والأستاذ أب وموجه. الأهم من هذا كله أن المدرسة العمومية إحتضنت كل فئات المجتمع من دون تفرقة. اليوم فقدت المدرسة العمومية حرمتها: تلاميذ تجاوزوا سنهم، غُيبت عقولهم طغوا إلى أن استباحوا إهانة المعلم. هنا بيت القصيد؟ من المسؤول عن عهد التسيب الجديد؟ من المستفيد؟. في ظل هذا الشتات ما بين تخريب التعليم العمومي وظهور موجة الخوصصة أصبح الآباء مرغمون على انتشال أبناءهم من الوكر العمومي إلى عالم الخوصصة. الخطير في الأمر أنها أصبحت موجة جارفة شملت جميع شرائح المجتمع. إن استطاعت الأسرة الضعيفة أو المتوسطة توفير التعليم الخصوصي في بداية المشوار هل تستطيع التضحية بكل مدخولها لتدريس طفل واحد؟ ثم إن فشلت، ألن يصاب هذا التلميذ بالإحباط والاضطراب عند الانتقال من عالم الخوصصة إلى واقع المدرسة العمومية؟ الخوصصة تخلق مجتمعا غير سوي ذلك لأننا لا نملك الأهلية والقابلية لمواكبة السير. سيتفاقم الحقد الاجتماعي الطبقي، سينفر الأستاذ من أداء واجبه، سيطغى التلميذ أكثر ربما من سوء التربية أو تهاون المعلم أو ربما للتعبير عن سخطه ورفضه لاغتصاب المدرسة العمومية. فهو يعلم مسبقا أن مستقبله على كف عفريت، تنتظره مباريات لا يجتازها إلا قلة عن جدارة، آخرون تنتظرهم كراسي ملونة والأغلبية ينتظرها الشارع. نحن الآن نمهل الخطى فوق حقل ألغام.. الكل يبكي حلمه وشهادتنا في المغرب الجميل مجروحة جدا.