اعتبر عبد الجبار الرشيدي الباحث في مجال الإعلام والاتصال، أن المغرب انتقل من آليات الضبط والزجر والتحكم وحجز الصحف ومنعها وتوقيفها، إلى اعتماد آليات ناعمة يمكن للدولة من خلالها أن تؤثر بها على الصحافة، مشيرا إلى ما أسماه “بتقنية الإشهار والدعم الموجه للصحف”. جاء ذلك في ندوة نظمها المركز الدولي للإعلام والتواصل ليلة الجمعة 24 ماي الجاري ببيت الصحافة، تحت سؤال “أي ضوابط للإعلام والتواصل داخل المجتمع؟ “، وشارك فيها الباحث أحمد المريني، والإعلامي بقناة ميدي1 تفي محمد أحمد عدة . ووقف الرشيدي عند بعض مواد وفصول مدونة الصحافة والنشر التي صدرت سنة 2016، حيث أشار إلى حذف جميع العقوبات الحبسية، لكن في المقابل تم تضعيف العقوبات المالية سواء تلك التي يطالب بها الأفراد، في إطار التعويض عن الضرر بسبب سب أو قذف وغير ذلك، أو تلك المتعلق بالغرامات التي يحكم بها القاضي انطلاقا من الأضرار التي قد تحدث في المجتمع. وأضاف المتحدث، أننا وعوض أن نحكم على الصحفي بالسجن، يمكننا أن نحكم على المقاولة الصحفية بالغرامة المالية التي قد تصل إلى 50 مليون سنتيم وبالتالي تجد نفسها أمام صعوبات، خصوصا وأن النموذج الاقتصادي للمقاولات الإعلامية المغربية هش. وأبرز الباحث، ثلاث أمور أساسية كانت في قانون الصحافة وتم تهجيرها إلى القانون الجنائي، وهي القضايا المتعلقة بالمس بكرامة الملك والأمراء، والأمور المتعلقة بالوحدة الترابية والدين الإسلامي، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالتحريض على الإرهاب وغير ذلك. وأشار الرشيدي إلى أن الصحافة المكتوبة بالمغرب، وعلى عكس باقي التلاوين عرفت تعددية حتى قبل الاستقلال، معتبرا إياها “تعددية طبيعية في المجتمع على غرار التعددية السياسية”. من جانب آخر، أكد عبد المجيد الرشيدي، أن الدولة بقيت محتكرة ومتحكمة للإعلام السمعي البصري منذ ظهير سنة 1924، مع وجود بعض الاستثناءات كراديو ميدي 1، الذي هو صفقة جرت ما بين المغرب وفرنسا في سياق الضغط الدولي حول حقوق الإنسان بالمغرب، ثم جاءت تجربة دوزيم التي اعتبرت بمثابة الوجه الحداثي للمغرب في مقابل إعلام الإذاعة والتلفزة المغربية التي تعبر عن الوجه الرسمي للدولة. واستدرك المتحدث، أن القناة الثانية لم تسر في الوثيرة التي رسمت لها، عوض أنها تزيد من الانفتاح وتدعم الديمقراطية وتعدد الرأي والتعبير، جاء ذلك بعد أن اشترت الدولة جزء من أسهمها حيث كانت عبارة عن رأس مال مشترك بين المغرب وفرنسا . وبخصوص التبريرات التي قدمتها “الهاكا” لرفض الترخيص لبعض طلبات إنشاء مشاريع تلفزيونية، التي قالت فيها “إن السوق الإشهاري في المغرب لا يتسع لدخول فاعلين إعلاميين جدد، وهذا سيهدد الفاعلين الإعلاميين المتعاهدين العموميين المتواجدين”، اعتبره المتدخل بأنه “تبرير غير منطقي بالمرة، وليس من اختصاص الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أن تقوم بدراسة جدوى الاقتصاد المشاريع المقدمة”، مشيرا إلى أن” فيه نوع من الحماية للقنوات العمومية الموجودة”، مؤكدا على أن “اختصاصها يقتصر فقط على الجانب القانوني، هل تم احترام المساطر، هل تم احترام الجانب القانوني في المقاولة”، مبرزا أن “التبرير يتناقض مع قانون تحرير الأسعار والمنافسة”. التلويح بالقوانين ليس حلا لأخطاء مستعملي شبكات التواصل من جانبه ركز الباحث أحمد المريني على بعض ضوابط استعمال شبكات التواصل الاجتماعية، وفي رأيه فهي تنقسم إلى من “يرى أن فتح مجال الحرية والتعبير عن الرأي لدى المستعملين يستوجب وضع ضوابط قانونية لردع المخالفين وحماية الثوابت المجتمعية”، بينما يضيف المريني يذهب الرأي الثاني أنه لا يمكن وضع ضوابط قانونية لمستعملي المواقع الاجتماعية للحد من حرية التعبير نظرا لاعتبارات ذاتية وموضوعية ومنها الحق الكوني في التعبير وتناقل المعلومات. وخلص المتحدث إلى أن أنه “بين هذا وذاك يمكن الأخذ بعين الاعتبار بعقد مشترك وهو ميثاق أخلاقي من أجل محاولة ترسيخ مضامينه لدي المستعملين بتجاوز الأخطاء التي قد يقع فيها رواد المواقع الاجتماعية”. وأكد الباحث في مجال التواصل على أنه “لا يمكن اعتبار أسلوب الردع والتخويف والتلويح بالقوانين الجزرية حلا ناجعا لتجاوز الأخطاء”، بل يكمن في نظر المتدخل، في التوعية والتحسيس والتعليم بأخلاقيات استعمال وسائل التواصل، معتبرا أن “الفضاء الافتراضي هو امتداد ومكمل للحياة العادية ومن تم لا ينبغي التجرد من أخلاق الفرد وآدابه في أثناء التعامل مع هذا العالم”. وقدمت المداخلة بعض ما اعتبرت “قواعد أخلاقية يجب التقيد بها”، منها “الاهتمام بعلاقات اجتماعية هادئة وطبيعية، والالتزام بعدم نشر الشائعات المجهولة المصدر، ونهج التحري في نقل ، واستشعار المسؤولية عند النشر وعدم التسرع، وعدم نشر أفكار هدامة ومخالفة للقيم..”. الضابط المعرفي ضروري لممارسة صحفية سليمة أما الإعلامي بقناة “ميدي1 تفي” محمد أحمد عدة، فقد تحدث عن ضوابط الممارسة الصحفية وقسمها إلى جزئين، وحددها في الضابط المعرفي وقصد به التكوين والخبرة والممارسة والاحتكاك، ثم الضابط القانوني . المتحدث في تفاصيل مداخلته أشار إلى “أن بعض خريجي معاهد الصحافة، يذهبون للمؤسسات الصحفية ولا يعرفون الاشتغال، مضيفا إلى “أن التراكم النظري غير كاف، لأنه يحتاج إلى ممارسة والاحتكاك بأصحاب الخبرة”، مؤكدا على أن “هناك من يتصور أن الأمور سهلة، يتصور أن المعلومة في المتناول وأنه سيحقق السبق وسيحقق الجديد لكنه عندما ينزل إلى الميدان يجد عقبات كثيرة”. وأكد محمد أحمد عدة أن “المغرب بمؤشرات التنمية الحالية، وبمؤشرات التعليم والصحة لا يمكن له أن ينتج صحافة جيدة، لأن هذا مرتبط بذاك، وكيف ما تكونوا يولى عليكم”، مبرزا “أن الصحافة مهنة تتجاوز الإخبار وهي تمسك بمصير الفرد والجماعة” متسائلا “كيف لنا أن نعطي هذا المصير لشخص ليس له لا ضابط معرفي ولا قانوني؟ وفي نفس الوقت من ينشر له لا يستحضر هذه الأشياء”، داعيا الصحفيين إلى “تنمية الفكر وتوسيع المدارك”.