يرفرف العلم الأمازيغي إلى جانب المغربي على جبل “ألبان” الشديد الانحدار والبالغ ارتفاعه 1500 متر عن مستوى سطح البحر. هناك يقيم أهل “إمضير” في بيوت صغيرة شيدت من طين، بعد أن دخلوا في أطول اعتصام في تاريخ المغرب ضد أكبر منجم للفضة في إفريقيا تستغله شركة “معادن إمضير”. ويكشف روبرطاج أعده الموقع الفرنسي “MediaPart” عن جوانب من معاناة أحفاد قبيلة “آيت عطا” الأمازيغية مع أكثر المعادن طلبا في سوق الإلكترونيات، وتحولهم إلى سكان عطشى تلاحقهم أمراض غريبة. إنتاج يرتفع 6 أضعاف قد يظن المرء أن الفضة تستخدم أساسا في صناعة المجوهرات والعملات المعدنية؛ لكنها لم تعد كذلك. وهي الآن مدرجة ضمن لائحة الاتحاد الأوربي ل “المعادن الأساسية” البالغ عددها 27 معدنا، حيث تلعب الفضة دورا رئيسيا في قطاع الإلكترونيات، الذي يمثل حاليا 25 في المائة من الطلب العالمي. ويمتاز هذا المعدن بقدرته التوصيلية، إذ يوجد في معظم الأجهزة المحيطة بنا كقواطع التيار الكهربائي والشاشات والهواتف ورقاقات التتبع الإلكترونيRFID. “إمضير” هو اسم لواحة أشجار اللوز تقع على بعد 300 كلم من مدينة مراكش، حيث يعيش 4 آلاف فرد ينحدرون من نسل قبيلة آيت عطا الأمازيغية. وهناك يتم استغلال معدن imitérite المركب من الزئبق الفضي، منذ ثمانينات القرن الماضي من طرف شركة “معادن أمضير SMI التابعة لمجموعة “مناجم” التي ستحوذ عليها العائلة الملكية. ومنذ عام 1987، ارتفعت الطاقة الإنتاجية بستة أضعاف في منجم “إمضير”، أي إلى اكثر من 200 طن من الفضة وطن واحد من الزئبق سنويا. 40 سنة من الكفاح رفقة جيرانها من قرية “إمضير” تعتلي عائشة جبل “ألبان” هذا الصباح ومعها زادها من خضر وزيت الزيتون، إذ تكشف المرأة وهي في عقدها الخامس من العمر، قائلة: “يستمر كفاحي ضد هذا المنجم منذ 40 سنة دون توقف” وتضيف أنه “في سنة 2011، جفت مياه الآبار. بينما تنسدل مياه الصنبور لمدة لا تتجاوز ساعتين. لهذا السبب أعلنا الاعتصام.” لتوسيع استغلالها عملت شركة “معادن إمضير” سنة 2004 على حفر بئرين للماء وإقامة خزان على جبل “ألبان”، لتنضاف على آبار التنقيب الموجودة أدناه، وهو ما أدى إلى جفاف الآبار في المزارع المجاورة وموت المئات من الأشجار المثمرة. ولم يكن امام القروين الذين اصبحو بدون مياه، سوى أن يصعدوا إلى التل من أجل إغلاق بوابات الخزان بالسلاسل، ولازالوا معتصمين هناك منذ صيف 2011، شأنهم كشأن مصطفة بن عائشة، إذ أكد قائلا: “لقد تسبب هذا المنجم في اضطراب وانهيار مجتمعنا، إذ تعتمد قريتنا بالكامل على مشاركة المياه. نحن مرتبطون بأرضنا ومياهنا” في انتظار “أكراو”.. اليوم يعد جبل “ألبان” موطنا لحوالي خمسين منزلا صغيرا، شيدت على جانبي الخزان الخرساني وانابيب المياه التي قامت شركة “معادن إمضير” بتركيبها. هناك يوجد حي كامل مخصص للنساء، ومطبخ وفي الوسط “قصبة” مزخرفة بطلاء أحمر حيث ينزل الحمام. خلال أيام الأسبوع، يتناوب الرجال والنساء ليلا ونهارا على حراسة الأماكن في انتظار “أكراو”، وهو التجمع الديمقراطي ليوم الأحد الذي وُرث عن العادات الأمازيغية وأعادت هذه الحركة إحياءه. قامت شركة “معادن إمضير” بحفر هذا البئر بطريقة غير قانونية، ولم تستطع بالتالي القيام بأي إجراء قانوني ضد الاعتصام. لكن العشرات من المحتجين تم اعتقالهم، تحت ذريعة تنظيم مظاهرات غير مرخص لها بالطريق الوطنية رقم 10. حيث قضى مصطفى خمس سنوات في السجن بتهمة سرقة 18 غراما من الفضة عندما كان يعمل كميكانيكي موسمي في المنجم، وقد حيكت مؤامرة ضده على حد قوله: “لقد أوقعوني في فخ؛ إذ أعطاني مديري سيارة من أجل الذهاب إلى المدينة واقتناء معدات. وعند مغادرتي للمنجم، خضعت السيارة للتفتيش وسرعان ما عثر الحارس على قطع معدنية من الفضة في مكان محدد بدقة. لكن في الواقع، تمت محاكمتي على خلفية مشاركتي في تجمعات “أكراو” أثناء وقت الفراغ.” منذ احتلال الخزان في “إمضير”، ارتفع مستوى المياه في الآبار والخطارات، وهي قنوات مائية جوفية تقليدية تتغذى عليها محاصيل الفلاحين. وببساطة عالجت شركة “معادن إمضير” مشكلتها، حيث قامت بعمليات حفر آبار جديدة في القرية المجاورة “أوكليم”، امام التسهيلات التي منحها رئيس الجماعة الذي يدير في الخفاء شركتين للمعادن. إفراط في استهلاك المياه.. وأمراض غريبة حسب ممثل مجموعة “مناجم”، في تصريح لموقع يا بلادي، يستهلك منجم “إمضير” مليون متر مكعب من الماء سنويا، منها 300 ألف متر مكعب من المياه العذبة، و700 ألف متر من المياه العادمة. ويعني ذلك أن المياه التي يتم ضخها في عمليات التنقيب الباطنية، تعادل الاستهلاك السنوي من الماء ل38 ألف شخص في المغرب. لكن في المنطقة الصحراوية كل قطرة ماء مهمة، حيث يقل نصيب الفرد من المياه إلى 70 لتر يوميا. بالإضافة إلى الإفراط في استهلاك الموارد المائية يتسبب هذا المنجم في تلوث البيئة، “إذ يطرح رواسب تحتوي على عناصر أكثر سمية مثل الزئبق والرصاص والكادميوم والأنتيمون والزرنيخ” وفقا لمخاوف المهندس الجيولوجي Automne Bulard سيؤدي وجود واحة فقط من هذه العناصر إلى اعتبار المنجم مصدر قلق صحي. وبالفعل تم العثور على هذه العناصر في أحواض كبير من المخلفات، وهي عبارة عن بحيرات رمادية يمكن رؤيتها من جبل “ألبان”(…) يحتوي موقع “إمضير” على عشرة احواض للنفايات شديدة السمية، التي تتسرب ببطء إلى التربة. ويكفي أن تمر عبر الطريق الذي المؤدي للمنجم، لترى خطر التلوث، حيث تشق وديان صغيرة مساحة 375 هكتار من الموقع، إذ من الضروري أن تعثر على بعض هذه المخلفات في اتجاه مجرى النهر الرئيسي الذي يغذي الزراعة والقرية. “يعاني سكان إمضير من أمراض غريبة” حسب تصريح محمد بينما كان يعد طاجين في غرفته الصغيرة عند مدخل الجبل، أكد أن الناس مرضو بأنواع مختلفة من السرطانات ومشاكل الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية. ومات أطفال بعمر 6 و7 سنوات بطريقة فضيعة، كما رفض المستشفى المحلي الإبلاغ عن أسباب الوفاة، “كما ليست لدينا وسائل لقياس درجة تلوث المياه” يضيف محمد(…) هناك خطر آخر يتمثل في انهيار حاجز أحواض المخلفات، إثر هطول الأمطار الغزيرة، على غرار الكوارث التي حدثت في البرازيل خلال السنوات الأخيرة. وعلى بعد 20 كلم من موقع إمضير، انهار سد نفايات السيانيد من منجم الذهب في “تيويت”. وأصدرت وزارة الطاقة والمعادن من جانبها بلاغا صحفيا مطمئنا(…)