تفاجأ الرأي العام الوطني والدولي امس السبت بوزير الشؤون الخارجية والتعاون السي ناصر بوريطة، وهو يعاتب في تصريح صحافي، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، على عدم دعوتها الرباط للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا، ولعدم مراعاتها لاحتضانه المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية الصخيرات، ولا لانتماءه كدولة مغاربية. شخصيا لم اتفاجا بإقصاء المغرب من هذا المؤتمر بقدر ما تفاجئت برد فعل الوزير، خاصة لجهة توقيته ومضمونه، ذلك أنني تابعت تحركات الديبلوماسية الألمانية بشأن عقد هذا المؤتمر منذ شهر شتنبر الماضي، والذي كان يراد منه في الأصل إدانة التدخلات الأجنبية الداعمة لمليشيات حفتر ضد الحكومة الشرعية في طرابلس، الحكومة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات يا معالي الوزير!. ثم عدت إلى الموضوع نفسه بمناسبة التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارته لتونس، عندما طالب باشراكها والجزائر في مؤتمر برلين، من دون ان يأتي بذكر للمغرب، وتساءلت في تدوينة نشرتها يوم 29 دجنبر 2019 في صفحتي على الفايسبوك، عما إذا كان المغرب سيدعى إلى المشاركة في هذا المؤتمر ام لا ؟!. نعم تساءلت وانا تقريبا على يقين بأنه لن يدعى، ليس لأن الجهة المنظمة ترفض بالضرورة مشاركته، ولكن لأن الأهداف التي رسمها الألمان في البداية للمؤتمر تغيرت بعدها بفعل فاعل أو فاعلين، وأيضا وخاصة، لأن ديبلوماسية هذا البلد لن تقوم باللازم، ولن تتحرك في ضمان المشاركة، فهي عودتنا على ذلك. لقد مثل اتفاق الصخيرات مكسبا إيجابيا للديبلوماسية المغربية ما في ذلك شك، ولو أن الفضل في احتضان الصخيرات لمفاوضات الليبيين، لا يعود بالضرورة إلى شطارة الدبلوماسيين المغاربة، بقدر ما يعود إلى اختيار ودي من طرف الليبيين انفسهم، وهو ما لم تنساه لهم ديبلوماسية جزائر بوتفليقة ولا ديبلوماسية مصر السيسي، إلى حين، ولكن بدلا من مواكبة تنفيذ اتفاقية الصخيرات، ودعوة الليبيين إلى تصحيح المسار عند الاقتضاء، فضلت ديبلوماسيتنا العودة إلى قواعدها سالمة مكتفية من الغنيمة بالإياب. والحقيقة هي أن الديبلوماسية المغربية أخلت الساحة الليبية بالتزامن مع الضغط القوي الذي مارسته "الديبلوماسيات" السعودية والإماراتية والمصرية على هذه الساحة، وايضا نتيجة الهجمات المتتالية التي شنتها، هذه "الديبلوماسيات" على المغرب خلال السنوات الاخيرة بالنسبة لقضايا اخرى، ما اضطر الدبلوماسيين المغاربة للركون إلى مكاتبهم، ونسيان شيء اسمه اتفاقية الصخيرات، التي يعود تاريخ ابرامها، للتذكير، إلى شهر دجنبر 2015، نسيانا تاما، إلى أن تذكرها فجأة السي بوريطة مساء أمس. وقد كان في امكان الدبلوماسيين المغاربة تدارك الأمر في أكثر من مناسبة، على سبيل المثال عندما أعلن حفتر ساعة الصفر لاكتساح العاصمة طرابلس والاطاحة بحكومة الوفاق، في شهر أبريل الماضي، علما بأن فشله في تحقيق هدفه المعلن، وفر لمن أراد، وقتا كافيا للتدخل في الأزمة الليبية، كما فعل اردوغان، لكن فاقد الشيء لا يعطيه .. وكان بإمكانهم تدارك الأمر مرة أخرى، في شتنبر الماضي عندما أعلن الألمان عزمهم على الدعوة إلى مؤتمر دولي حول ليبيا .. ثم كان بإمكانهم فعل ذلك عقب تصريح اردوغان المشار إليه، لكن لا حياة لمن تنادي!. والغريب العجيب، هو ان ينتظر السي بوريطة، وهو يعرف بدون شك المثل الشعبي القائل "البكا من بعد الميت خسارة"، حتى ليلة انعقاد المؤتمر، ليعاتب ميركل على عدم دعوتها المغرب للمشاركة، وللمقارنة فقط، فقد دعيت تونس للمشاركة في المؤتمر في آخر لحظة أمس ولكنها ردت الدعوة احتراما لشعبها و "بسبب انها لم تدع للمشاركة في الوقت المناسب". والأغرب والأعجب، بل والأنكى، هو ان يلوم السيد بوريطة المستشارة الألمانية على التصرف في شأن المؤتمر المتعلق بليبيا، بناء على مصالح بلادها الخاصة، وهل هناك ديبلوماسية لا تتحرك إلا وفق مصالح بلادها الخاصة .. يا معالي الوزير ؟! وإذا ما شئنا وضوحا أكبر فإن ما يهم أنغيلا ميركل من هذا المؤتمر، هو بالضبط ان تضمن استمرار تزودآلتها الصناعية الاقتصادية الجبارة بالمحروقات، النفط والغاز، الليبي تحديدا، وما عدا ذلك لن يقبله منها الشعب الالماني بأية صورة من الصور، والا سيكون عليها أن تستقيل أو أن تقال. اعلم فقط ان الديبلوماسية تقتضي التحلي بروح المبادرة والمثابرة، والخلق والابداع، والصبر وطول النفس، وهناك من شبهها بالفلاحة، بحيث لا يمكنك أن تتوقع منها الحصاد، قبل تتعهدها بالزراعة والسقي والتشذيب والرعاية، وما عدا ذلك، فإنني اتفق معك على أن عدم دعوة المغرب للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا يمثل إساءة للبلد، ومسا بمصالحه، فانظر ما انت فاعل لتدارك ما فات .. يا معالي الوزير ؟!.