يرى الحقوقي أحمد حرزني أنه لا يمكنك القول إن جائحة كورونا ثورة عالمية كما لا يمكن أن تكون سببا لها لإن الثورة يصنعها الناس فقط وليس الفيروسات. واستطرد الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في حوار له مع صحيفة “باب ماغازين”، الصادرة عن بوابة وكالة المغرب العربي للأنباء، قائلا، قد يخلق الوباء ظروفاً موضوعية لثورة ليست عنيفة. لكن في البداية تجب محاربته. مؤكدا على ضرورة تأكيد الإرادة الجماعية للتغيير الجذري على أوسع نطاق ممكن، كما يجب أن تترجم هذه الإرادة إلى برامج بديلة محددة.
فشل السياسات العالمية أمام الطبيعة وأوضح المتحدث أن مؤتمرات COP لم تستطع كبح الأضرار التي ألحقها الإنسان بالطبيعة قبل الجائحة، خاصة بعد انسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاقية باريس، حيث أننا أنتجنا كثيرا كما استهلكنا أكثر بشكل غير متوازن وفظيع، إذ وصلت درجة حرارة الكرة الأرضية لمعدل جد مرتفع سنة 2018 في 1 غشت بالتحديد، تجاوزت قدرتها السنوية على إعادة إنتاج الموارد الطبيعية اللازمة للإنتاج وامتصاص غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة الإنتاجية. ونبه حرزني إلى أنه في الوقت الحالي ، يجب التركيز على خلق طرق بديلة للإنتاج والاستهلاك والتوزيع، عندها فقط يمكن أن نتحدث عن ثورة، مؤكدا على أنها ستكون ثورة تفرض إعادة ترتيب القيم التي يجب أن تحكم حياة المجتمعات من خلال أنماط الإنتاج والاستهلاك والتوزيع الجديدة . وشدد الحقوقي على ضرورة التركيز على المساواة كأسمى قيمة، داعيا إلى تحديد الفوارق الاجتماعية بمعدل معين لا يسمح بتجاوزه، كما أن صحة الأفراد والمجتمعات ومكونات الطبيعة أيضًا قيمة أساسية، إضافة إلى قيم التعايش والاستقلالية، وكل هذه القيم ستتاح لها فرصة أن تسود بشكل فعال فقط إذا تم تبنيها عالميًا، الأمر الذي يستوجب بناء نظام سياسي عالمي جديد قائم على مبادئ السلام ونزع السلاح. وأشار حرزني إلى أنه مع كل الخسائر البشرية والإقتصادية والإدارية التي خلفها الوباء، إلى أن لهذا الأخير جوانب إيجابية لا يمكن إنكارها، حيث خلق طفرات غير مسبوقة في الانضباط والتضامن، مع إزالة البيروقراطية في الإجراءات الإدارية واعتماد التجارة الإلكترونية عوض التجارة التقليدية، وتعزيز العمل عن بعد، وإزالة التلوث، إلخ. قائلا: “إن مكونات الثورة المستقبلية موجودة بالفعل”. نظرة فلسفية للوباء واعتبر حرزني أزمة كورونا بمثابة لكمة نتلقاها جميعًا على مستوى الذقن، لأننا لم نلتفت إلى جميع التحذيرات التي وُجهت إلينا، من قبيل الاحتجاجات الشعبية والأزمات الصحية والانهيارات المالية ومظاهر تغير المناخ، متسائلا عن ماهية الحياة الجيدة: هل هي السعي وراء هيمنة وهمية على الطبيعة، ونمو غير محدود، واستهلاك غير مقيد، وتفوق وهمي بنفس القدر فيما يتعلق بالجار، أم أنها بناء وتعزيز العيش المشترك الذي يتميز بالصداقة بين الإنسان ومع الطبيعة أيضا. ويعتقد المتحدث أنه من المبكر إعطاء تحليل سوسيولوجي للأزمة اليوم، إلا أنه يمكن القول إن الوباء عزز وبشكل مزدوج التوجه الفرداني مع المزيد من التضامن، موضحا أن المواطن مدعو ليعتني بنفسه أولاً، والحفاظ على مسافة الأمان مع الآخرين بما فيهم أفراد عائلته، كل هذا يؤدي إلى تحديد الفرد لنفسه ككائن متميز عن عائلته وقبيلته وحيه ومدينته وحتى أمته، متميز ومسؤول عن نفسه بل عن الآخرين. هذا هو أساس التضامن الجديد، يضيف حرزاني، “الذي يمتد إلى نطاق البشرية جمعاء، والذي يقوم على حقيقة كونك إنسانًا”. من جهة أخرى يرى الحقوقي أن الوباء عزز الثقة بين المواطنين والدولة، حيث أن الطريقة التي تدير بها الدولة الحالة الوبائية، بقيادة الملك، تحظى باحترام في الداخل والخارج أيضًا، حيث امتثل المواطنون طوعًا لأوامر السلطات، إضافة إلى مشاهد من “التآخي” بين المواطنين وأفراد الشرطة. واستطرد حرزاني “إذا تم تأكيد هذا الأمر، فإن تأثيره على المستقبل السياسي للبلاد وخاصة على عملية التحول الديمقراطي سيكون هائلاً”. وأشار حرزاني إلى تأثير الوباء في طبيعة وأسلوب الإستهلاك، حيث أن الخوف مما يمكن أن يخفيه الوباء في مستقبل الأيام يدفع الناس إلى نوع من عقلنة الاستهلاك مع الادخار. الوباء والنموذج التنموي الجديد يعتقد حرزني أن أزمة “كوفيد 19” حددت ما يجب أن يكون حجر الزاوية في أي نموذج تنموي مستقبلي، وأنها وضعت العناوين الأساسية للمكون الاجتماعي لأي نموذج، معتبرا أن صحة المواطنين لها الأولوية المطلقة وتتطلب بنية تحتية مناسبة (وحدات المراقبة والرعاية العامة موزعة بشكل جيد في جميع ربوع المملكة ومجهزة تجهيزًا جيدًا) كما يجب أن تتوفر لكل المواطنين، بالإضافة إلى إنشاء وتوزيع الثروة وفرص الشغل، قائلا: “آمل ألا نحتاج إلى فيروسا آخر”. المغرب قبل وبعد الفيروس ويرى حرزني أن عيب المغاربة يكمن في اللامبالاة والحماس حيث “يمكننا أن نتحمس بسرعة بشأن شيء ما، ونظهر طاقة وإبداعًا بارعًا لإنجاز هذه المهمة أو تلك، ولكن ينخفض فيها حماسنا بنفس السرعة التي ارتفع بها ونعود إلى نوع من الإهمال “. الحقيقة أننا رأينا قدر معين من اللامبالاة فيما يتعلق بالشؤون العامة تصل إلى العدوانية إن لم يكن السلوك العنيف الصريح، والأخطر من ذلك أن السلطة تساهلت مع الأمر. أما بخصوص التحول على مستوى المواطنين، يرى حزراني أن الأزمة أظهرت قدرة الشعب على الانضباط والتضامن متمنيا أن تستمر هذه الميزة إلى ما بعد الأزمة.