وأخيرا، أنصفنا الفيروس التاجي بعد عقود من الازدراء والاضطهاد سواء من طرف بني جلدتنا من أطر التوجيه التربوي أو من طرف باقي المسؤولين بوزارة التربية الوطنية الذين كانوا يعتبروننا مجرد موظفين أشباح نقتات من الريع ولا نقدم بالمقابل أي خدمة للوزارة أو لآباء وأمهات التلاميذ على حد سواء. منذ 14 مارس 2020 فرض هذا الفيروس واقعا جديدا ليس فقط على قطاع التربية الوطنية بل على باقي الإدارات الأخرى، انه واقع العمل عن بعد تفاديا للمخالطة والازدحام في مقرات العمل الذي يؤدي بدوره إلى تسارع انتقال العدوى. وللتذكير فمستشارو التوجيه هم السباقون وطنيا لاعتماد هذا النوع من التدخل المهني إضافة إلى مجموعة من المهام التي يضطلع بها هذا الإطار في التوجيه التربوي، وقد أشرنا إليها في مقالات سابقة بالموقع خلال السنوات القليلة الماضية. لكن وللأسف الشديد وعوضا عن الإشادة بهذه النقلة النوعية في المجال المهني، تم اعتبارها نوعا من التقصير في أداء الواجب بل وتمت معاقبة مجموعة من مستشارات ومستشاري التوجيه عبر سلسلة من الإجراءات التأديبية كالاستفسارات والإنذارات والاقتطاعات من الأجرة…بإيعاز إما من بعض زملائهم من مفتشي التوجيه أو من بعض المسؤولين الإقليميين والجهويين والوطنيين. وقد أشرنا إلى هذا الواقع الأليم في دراسة وطنية حول التحرش المهني تم تقاسمها مع كافة المتدخلين في الشأن التربوي. لكن لم يتم التعامل معها بالمهنية المطلوبة والدليل على ما نقول هو عدم اللجوء إلى هذه التجربة في عز أزمة كورونا رغم ما راكمه أطر التوجيه التربوي من خبرات كبيرة في هذا المجال. ولا حاجة للتذكير بالمواقع الالكترونية المتخصصة في الإعلام والتوجيه المدرسي والعديد من الوسائط الاجتماعية التي يشرف عليها مستشارو التوجيه منذ ما يزيد عن العقد من الزمن والتي لا غنى للتلاميذ أو الطلبة أو آبائهم عنها. وقد شكلت هذه المبادرات قاعدة بيانات ضخمة في مجال التوجيه التربوي لم تلق لها الوزارة بالا بل طالبت المديريات والأكاديميات والمراكز الجهوية للإعلام والتوجيه المدرسي بإنتاج مواد رقمية أخرى جديدة وكأن كل هذا الزخم من المواد الرقمية من لعب الأطفال. هذه الوضعية الاستثنائية من العمل عن بعد نتيجة الالتزام بقواعد الحجر الصحي فرضت على غالبية موظفي الدولة القبوع في منازلهم وراء شاشات حواسيبهم أو هواتفهم النقالة التي منها واليها يحافظون على الخيط الرفيع الذي بقي لهم من وظائفهم. فهل يعني هذا أن الإدارة المغربية قد توقفت؟ قطعا لا..فالكل مازال مرابطا يؤدي ما تسمح به وظيفته عن بعد باعتماد هذه التقنيات الحديثة في الاتصال والتواصل. وفي وزارة التربية الوطنية التي تهمنا، ما زال الأساتذة في تواصل دائم مع تلامذتهم عبر هذه الوسائط رغم أن الدروس الحضورية قد توقفت منذ 14 مارس الماضي بفعل جائحة كورونا. فهل يعني هذا أن الأساتذة أيضا قد توقفوا عن العمل واستسلموا للراحة والكسل؟ قطعا لا..فكلنا كآباء نعلم حقيقة حجم المجهودات الجبارة التي يبذلها هؤلاء لتدريس أبنائنا عن بعد رغم أن هذه التجربة هي الأولى لمعظمهم لأنه لم يسبق للوزارة أن برمجت تكوينا في هذا المجال ولم تلجأ إلى هذا الحل إلا تحت ضغط وباء كورونا. معيار الحضور اليومي إلى مقر العمل لم يعد إذن مؤشرا موضوعيا على العمل. وفي الحقيقة فهو لم يكن أبدا مؤشرا فعالا لقياس المردودية في العمل. لكن ورغم بساطة هذه الملاحظة إلا أن باقي موظفي ومسؤولي الوزارة لم يكونوا أبدا مقتنعين بها إلى أن فرضت عليهم وأصبحت واقعا جهارا أمام أعينهم. والدليل على ما نقول ما تعرضنا له سابقا من مصير مستشاري التوجيه وجزاء سنمار الذي وقع بهم. الآن، ومع هذا الفيروس التاجي الذي يجب أن نضعه تاجا على رؤوسنا نحن مستشاري التوجيه التربوي، انقلبت الآية وغدت الوضعية الخاصة بالاستشارة والتوجيه وضعية عامة في حق باقي موظفي الدولة وخصوصا من وزارة التربية الوطنية. فهل نتهم نحن كذلك الآخرين بأنهم موظفون أشباح يقتاتون من الريع ومن جيوب دافعي الضرائب ولا يقدمون للمغرب وللمغاربة أية خدمة تذكر؟ قطعا لا..فنحن أهل مكة أدرى بشعابها ونعلم علم اليقين ما يقتضيه هذا العمل عن بعد من تضحيات جسام مادية ومعنوية ستتضح لا محالة في القريب العاجل لمن لا زال لديه شك فيما نقول.