"أنت اتحادي وأنا متأكد من أنك كذلك، حتى ولو أنكرت الأمر أو قلت لي عكس ذلك". نظرت إلى من كان يقول لي هذا الكلام وكأنه يحاول إحراجي أمام جمع من الأصدقاء، وشعرت وكأنه يلومني بسبب ابتعادي عن الانتماء إلى منظومة حزبية طبعت تاريخ المغرب المعاصر، كما طبعت حياة والدي وتاريخ جزء من أفراد عائلتي. نظرت إليه مليا قبل أن أجيبه بالتأكيد على أن الانتماء إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لا يعني بالضرورة الانتماء إلى منظومة الحزب. أن تكون "اتحاديا" يعني الايمان بفكرة أساسها تحقيق العدل في المجتمع. أن تكون "اتحاديا" ليس بطاقة حزبية، بل هو اقتناع بأن الحرية هي الأساس، وبأن الجماهير الشعبية لا يمكنها أن تشعر بالحرية ما دامت كرامتها تمتهن من أجل قطعة خبز باردة. تلك هي فكرة الاتحاد الاشتراكي وروحه، التي ذهبت اليوم مع رحيل المجاهد عبد الرحمن اليوسفي. منذ عامين، رأيته آخر مرة في مسرح محمد الخامس وقد امتلأ عن آخره. كان الناس ينتظرون رجلا بلغ من العمر عتيا، بلغه بشموخ كبير وتواضع أكبر. علت محياه تلك الابتسامة الخجولة وهو ينظر إلى نساء ورجال من كل الأعمار كانوا يهتفون "عاش المجاهد اليوسفي"… ألقى كلمة عن مذكراته التي أصدرها على شكل "أحاديث في ما جرى". أحاديث لم تبح بكل شيء، لكنها ألقت الضوء على بعض من تاريخ رجل سياسي عبر القرن العشرين، قبل أن ينسحب مع مطلع القرن الواحد والعشرين، احتجاجا على ما اعتبره – عن حق – خروجا عن المنهجية الديمقراطية التي كانت في صلب نضاله السياسي وفي قلب تدبيره للحكومة، التي ترأسها طيلة أربع سنوات خلال واحدة من أحرج المراحل في تاريخ المملكة المغربية. رحل اليوسفي، وترك وراءه إرثا من المقاومة الوطنية والنضال السياسي والمسؤولية الحكومية، بما له وما عليه. إرث أضحى الآن بين يدي المؤرخين. أما ذكرى الرجل فستبقى خالدة في وجدان المغاربة، أيا كان رأيهم فيه. رجل قال فيه مواطن من أهل طنجة – حيث ولد اليوسفي عام 1924 – لصحافية كانت تسأل الناس عن رأيهم يوم كلف الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل الحكومة، قال لها: "هذا الوزير الأول، على الأقل، نحن متأكدون أنه لن يسرقنا". تلك هي روح الاتحاد التي ذهبت اليوم مع السي عبد الرحمن.