يعرف التناوب السياسي على أنه عملية سياسية ودستورية تؤدي إلى انتقال السلطة مؤقتا، من فريق سياسي متواجد في صف الأغلبية، إلى فريق سياسي آخر كان متواجدا في المعارضة، وذلك من خلال انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية. وقد ظهر مفهوم التناوب السياسي في بداياته الأولى مرتبطا فقط بالأنظمة التي تعرف ثنائية حزبية، إلا أنه ما لبث بعد تطوره، أن أصبح معروفا حتى في الأنظمة التي تعرف تعددية حزبية، ولكنها منتظمة في إطار ثنائية قطبية حقيقية وذات توجه ديمقراطي، حيث توجد هناك علاقة جدلية بين التناوب والديمقراطية، وفق ما ذهب إليه الأستاذ "نجيب با محمد" في دراسته حول التناوب في المغرب. أما في الحقل السياسي المغربي، فقد كان لضغط العوامل والمحددات السياسية والدستورية، ثم السوسيو اقتصادية، دورا كبيرا في بروز مفهوم التناوب كآلية دستورية وسياسية، تشكل أفقا للتحول والانتقال الديمقراطي، أو على الأقل الانتقال من وضعية اختناق النظام، إلى وضعية تمكنه من استرجاع قوته وأنفاسه، خصوصا بعد أن تآكلت مشروعيته، وضعفت آلياته في الاحتواء والسيطرة. وفي دراسته المنشورة سنة 1996 بمجلة الغد، والمعنونة ب "المعارضة المغربية: الديمقراطية والتناوب" رأى الكاتب " عبد القادر الشاوي" أن الملكية في المغرب، كانت تنظر إلى التناوب كأداة لإشراك المعارضة في الحكومة، من أجل تحمل جزءا من مسؤولية التسيير والتدبير، وذلك للاستفادة من الحلول، والمقترحات التي قد تساهم بها هذه القوى في معالجة الأزمة، في الوقت الذي كانت ترى فيه قوى المعارضة، مجسدة في أحزاب الكثة صاحبة مشروع الإصلاح السياسي والدستوري، أن التناوب يمثل خطوة سياسية ودستورية لا يمكن إجهاضها بالعمل خارج المبادئ التي تمليها الإرادة الشعبية، ولا يمكن الإقدام عليها إلا بوضوح المواقف، وما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج بناء على انتخابات حرة ونزيهة. لقد شكل قبول أحزاب " المعارضة" السابقة بمضامين الدستور المعدل سنة 1996 وتصويتها بنعم على هذا الدستور – باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي- إعلان عن انتهاء المعادلة التي وجهت تحليل ومقاربة النسق السياسي المغربي لمدة أربعين سنة، وهي المعادلة التي كانت تنطلق من كون قطبي الصراع في الحقل السياسي المغربي هما المؤسسة الملكية من جهة، والأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية من جهة ثانية، وفق الرؤية التي ذهب إليها الباحث في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر الخاضري، في دراسته المنشورة في العدد 33 من مجلة REMALD تحت عنوان" حكومة التناوب التوافقي: الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والدستوري" . ورغم أن دستور 1996، لم يتضمن أيا من الأسس والشروط التي وضعتها أحزاب الكتلة واعتبرتها ضرورية للتناوب باستثناء التغيير الشكلي الذي تضمنه الفصل 24 الذي أضاف اقتراح الوزير الأول للوزراء، فان هذه الأحزاب، لم تعد قادرة على التمسك برهاناتها، واقتنعت بضرورة تبني رهانات المؤسسة الملكية وتصوراتها للعمل السياسي، وللمشاركة السياسية، وللتناوب والإصلاح. كما أنها انتقلت بشكل فجائي من التشديد على مطلب الإصلاح الدستوري والسياسي كمدخل مركزي لأي إصلاح اقتصادي واجتماعي، إلى التخلي عنه نهائيا، والتركيز عن أولوية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وقبول تشكيل حكومة منبثقة عن مسلسل انتخابي مدان من لدنها، والعمل في إطار تحالف حكومي غير منسجم ومثل بوزارات السيادة. مند تنصيب حكومة عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ 04 فبراير 1998، حاولت هذه الأخيرة، صياغة وانجاز المشاريع الإصلاحية الهادفة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتأهيل البلد لمواجهة عدة استحقاقات، من قبيل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والالتزامات التجارية والتعريفية المبرمة في إطار منظمة التجارة العالمية، غير أنه رغم ذلك، فقد أجمع أغلب الباحثين الذين سلطوا الضوء على تجربة التناوب، على أن الحكومة ظلت مكبلة بعدة قيود، وغير قادرة على الفعل إلا في حدود ضيقة، بحكم الصلاحيات الكبرى للملكية كفاعل مهيمن على الحياة السياسية بالمغرب. كما ذهب البعض منهم، إلى أن الإصلاح لم يكن هو رهان القصر خلال تلك المرحلة، بقدر ما كان الرهان الأساسي لدى النظام هو تأمين الانتقال السلس للحكم، من الملك الحسن الثاني الذي كان يمر من وضع صحي حرج، إلى ولي عهده الذي لم يكن له الاستعداد الكافي للحكم بعد موت والده، وذلك من خلال توظيف شرعية أحزاب الحركة الوطنية، ورمزية سي عبد الرحمان اليوسفي، الذي قبل أن يخوض التجربة دون أي ضمانات سياسية، ما عدا القسم في المصحف، إلى أن فوجئ بخروج القصر عن المنهجية الديمقراطية، وتعيين التقنقراطي "إدريس جطوا" وزيرا أولا في سنة 2002، رغم أن الاتحاد الاشتراكي تصدر نتائج الإنتخابات. اليوم بوفاة سي عبد الرحمان اليوسفي، رحمه الله، يكون المغرب قد فقد واحدا من المناضلين الكبار، الذين امنوا بالتغيير دون أن يدركوه، بل يمكن القول، أن سي عبد الرحمان اليوسفي، ذهب إلى مثواه الأخير، وفي قلبه غصة بسبب الأوضاع العامة في البلد، وبسبب أحوال حزبه، الذي فقد قوته الجماهيرية، وتحول إلى حزب صغير يشتغل في إطار المناولة السياسية.. لقد مات سي عبد الرحمان اليوسفي، وعدد من الصحفيين في السجن بتهم سوريالية، ولا ندري ما هي وصيته الأخيرة، التي وجهها للنخبة الحاكمة، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. انتقل سي عبد الرحمان اليوسفي إلى الرفيق الأعلى وترك خلفه ناصر الزفزافي ورفاقه في السجن بسبب مطالب بسيطة لها بعد اجتماعي واقتصادي. رحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بعد 21 سنة من رحيل الحسن الثاني، وبعد 18 سنة من الخروج عن المنهجية الديمقراطية التي احتج عنها من قلب العاصمة البلجيكية بروكسيل، ولا أحد اليوم يعرف أي مستقبل ينتظر المغرب؟ رحم الله سي عبد الرحمان اليوسفي، الذي شاءت الأقدار، أن تشيعه السلطة إلى مثواه الأخير في زمن الحجر الصحي، بعيدا عن الرفاق، وربما أنه من فضل الله عليه، ألا يسير في جنازته المنافقين والانتهازيين، ممن أساؤوا له في محطات كثيرة وهو على قيد الحياة. رحم الله سي عبد الرحمان اليوسفي، والخزي والعار على من سارعوا إلى تدنيس النصب التذكاري الذي يحمل اسمه في مدينة طنجة، كما فعلوا في نفس الليلة ومن نفس الشهر من سنة 2013، مع قبر الراحل سي إدريس بن زكري رحمه الله. كاتب وناشط حقوقي