شكل موضوع "من أجل مقاربة جديدة لتدبير المآثر التاريخية وتعزيز أدوارها الحضارية والتنموية"، محور ندوة تفاعلية، نظمها "مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة"، الإثنين الماضي، شارك فيها كل من المهدي الزواق الخبير في تدبير التراث، مدير المعهد الوطني للفنون الجميلة، ونوفل بخات المهندس المعماري، إلى جانب الإعلامي سعيد كوبريت رئيس بيت الصحافة، وهشام المراكشي أستاذ زائر بكلية الحقوق بالجديدة وإطار بالمحافظة العقارية، فضلا عن رئيس المرصد عبد العزيز الجناتي. وأكد المشاركون في هذه الندوة التي نظمها المرصد، بشراكة مع بيت الصحافة، وسيرها ربيع الخمليشي الرئيس السابق للمرصد، على ضرورة النهوض بالمآثر التاريخية، والاعتماد على مقاربة مندمجة وتشاركية من أجل تعزيز الجاذبية الترابية والسياحة الثقافية.
قانون متجاوز اعتبر هشام المراكشي أستاذ زائر بكلية الحقوق بالجديدة وإطار بالمحافظة العقارية، أن الفاعلين أصبحوا ينظرون للآثار والتراث بقانون مرت عليه 40 سنة، متسائلا، كيف لنا أن نحمي آثارنا وتاريخنا بقانون أصبح متجاوزا، انطلاقا من التعريف بحيث أن هناك غياب تعريف للتراث وللآثار بخلاف مشروع القانون. وتساءل المراكشي عن مصير ومآل مشروع قانون 52.13، ولماذا لم يتم إخراجه حتى الآن؟ معتبرا أن مضامينه لن ترضي لوبيات العقار، لأن من شأن إخراج هذا المشروع أن يحمي بشكل كبير التراث خصوصا على مستوى المباني التاريخية . وبخصوص تعدد المتدخلين في مجال تدبير المآثر التاريخية، خاصة في ما يتعلق بحدود السلطة التي تجمع الوالي بباقي المؤسسات المنتخبة، قال الباحث، هذا إشكال كبير في المغرب، ويمكن أن يكون معطى إيجابي إذا كان هناك تنسيق، معتبرا أنه عندما يكون غياب للتنسيق يصبح هذا المعطى سلبي، مشيرا إلى أنه في هذا الموضوع، نجد وزارة الثقافة الوصية ووزارة الأوقاف باعتبارها المشرفة على التراث ذات الطابع الديني، ثم نجد المندوبية السامية للمياه والغابات والمؤسسات المحلية المنتخبة. واعتبر المتحدث، أننا لا زلنا في إطار القانون الحالي نتحدث عن المحافظة على المباني التاريخية، ولم نصل بعد إلى مستوى الحديث بشكل واضح وقانوني عن الاستثمار في هذا المجال، من خلال السياحة الثقافية، مقدما بعض الأمثلة بالجارة إسبانيا وأيضا النموذج التركي الذي اعتبره متقدم في هذا المجال. وتأسف المتدخل لكون السياحة في المغرب مرتبطة بالشمس والبحر، ولا توجد في المغرب سياحة مرتبطة بالمآثر والتراث، معتبرا أن السنيما بدورها لم تبرز للمغرب جمالية مناطقه السياحية والتاريخية، مشيرا إلى أن طنجة غير مصنفة كتراث عالمي بسبب غياب سياسة ثقافية، داعيا إلى الاشتغال على ملف طنجة لكي تصبح تراث عالمي خاصة وأن كل المقومات التاريخية والمكانية متوفرة. وتأسف لكون العديد من المنعشين العقاريين ينتظرون سقوط مجموعة من المآثر التي تتواجد في حالة يرثى لها، لأن سقوطها يعني تحولها لسكن ومباني مدرة وذات عائد بالنسبة إليهم. دعوات للاهتمام بالمتاحف أما المهدي الزواق الخبير في تدبير التراث، مدير المعهد الوطني للفنون الجميلة، فقد دعا في معرض تقييمه للعرض المتحفي بمدينة طنجة إلى المزيد من الاهتمام بهذا الملف، مشيرا إلى أن طنجة كبوابة للمتوسط وكممر للحضارات الإنسانية منذ العصر القديم، لا يمكن أن لا تتوفر على متاحف أخرى إلى جانب متحف القصبة الحالي، مشيدا بتثمين موقع برديكاريس الذي أعطى إشعاع جديد لتراث وتاريخ المنطقة. من جانب آخر، أشار المتحدث إلى أن المسح الأثري عرف تطورا كبيرا، لدرجة أن الأمر يمكن أن يكون عن طريق الأقمار الصناعية، والدبدبات الصوتية التي بواسطتها تم اكتشاف بعض المواقع الأثرية، داعيا إلى الاهتمام أكثر بالآثار المتواجد بالعالم القروي الذي لا زال لم يأخذ نصيبه من الاهتمام لإيصالها إلى الأجيال القادمة. في ذات السياق، ثمن مدير المعهد الوطني للفنون الجميلة، مشروع قانون 52.13 معتبرا إياه أنه جاء بالعديد من الإيجابيات التي ستكون لصالح الآثار والتراث. واعتبر المتحدث، تدبير هذا الملف أصبح في المغرب يتدخل فيه مجموعة من المتدخلين ليس فقط وارة الثقافة، بل أيضا المؤسسات المحلية المنتخبة، بعضها أعطى قيمة مضافة بشراكته مع المجتمع المدني، مشيدا بإحداث المحافظات الجهوية التي أصبح لها دور مهم، كاقتراح التشارك مع المتدخلين المحليين والدوليين. غياب سياسة عمومية لتدبير المآثر قال عبد العزيز الجناتي رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، إن الحالة التي توجد عليها معظم المآثر التاريخية بطنجة، والرصيد الكبير الذي ضاع على هذا المستوى، يؤكد على أن هناك غياب سياسة عمومية في هذا المجال. وأبرز الجناتي، على أن الجهات الرسمية ظلت لسنوات طويلة تتعامل مع هذا الملف بشيء من التبخيس، بدليل أن وزارة الوصية على الملف تتوفر على أضعف ميزانية وزارية، ثم إن الجماعة الترابية صلاحياتها ليس أصلية، وبالكاد بدأنا نتحدث عن الأمر في إطار القانون الجديد المتعلق بالجماعات الترابية. وبخصوص أدوار المجتمع المدني، اعتبر الجناتي أنها اشتغلت طيلة الفترات السابقة، على التصدي لرصد الخروقات وكشفها أمام الرأي العام، مؤكدا على أن المرصد يتطلع إلى مواكبة هذه المتغيرات المطروحة اليوم، خاصة على مستوى إعمال استعمال آليات الحكامة الجديدة بالاستماع إلى الأطروحات الجديدة التي تركز أساسا على تحسين الهوية وتسويقها لتلعب الأدوار التنموية المنشودة. وأكد المتحدث، على أنه من الإشكالات التي وسمت التعاطي مع ملف المآثر التاريخية هو تعدد الفاعلين والمتدخلين، في غياب الإمكانات البشرية والمالية، بل حتى على مستوى التصور العام لتدبير هذا الملف، مؤكدا على أن اللحظة تقتضي الانتقال إلى نموذج جديد، لما لا تكون شركة للتنمية المحلية، والمجال واسع هنا للاجتهاد، يضيف الجناتي. غياب مستشارين متخصصين اعتبر الإعلامي سعيد كوبريت رئيس بيت الصحافة، أن المجالس المنتخبة المحلية والجهوية والولائية وللمسؤولين الترابيين، لا توجد بجانبها مستشارين على المستويين الإعلامي والثقافي، ولا تعتمد في اشتغالها على هذا المستوى على فريق من المستشارين المتخصصين الذين يمكنهم تقديم إضافة وملفات تعنى بما هو ثقافي وحضاري في مدينة طنجة، مشيرا إلى أنه لولا الإرادة الملكية لما استطاعت مدينة طنجة أن تحقق المصالحة كما تحققت على المستوى السياسي، مؤكدا على ضرورة نهج أسلوب حسن الإنصات والإصغاء للآخر حتى نتمكن من رسم بوصلة طريق حقيقية في القادم . المهندس وعالم الآثار رهين للإرادة السياسية من جانبه، اعتبر نوفل بخات وهو مهندس معماري، أن أغلب المآثر التاريخية بمدينة طنجة تم اكتشافها عن طريق الصدفة، مقدما العديد من الأمثلة، مؤكدا على الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية، وإلى ذلك الحين يضيف بخات، يبقى المهندس المعماري وعالم الآثار رهين لهذه الإرادة السياسية. وفي جواب عن سؤال حول الاهتمام بالمآثر التاريخية المتواجدة بالعالم القروي، أكد بخات على أن هناك ضعف اهتمام على هذا المستوى، لا من ناحية المهندسين المعماريين أو من ناحية ترميم وإبراز التاريخ المتواجد في هذه المناطق خاصة وأن الثقافة الشعبية كانت متواجدة بقوة في المجالات القروية، مشيرا إلى أن المواثيق الدولية تضمن هذا الحق. وأبرز المتحدث أن الهندسة المعمارية بالمجال القروي والتي تختلف من منطقة إلى أخرى لم تحظى حتى الآن بالاهتمام الكافي، مبرزا أن الاهتمام انصب أكثر حول المدن والمدن الكبرى.