لم تكن الأزمنة التي عرفتها البشرية خالية من الأوبئة ، بل هناك تواتر في حدوث ذلك ، ولقد وقفت كل المجتمعات لمواجهتها وفق مستوياتها العلمية والطبية و الفكرية وقدراتها المادية ، والوباء ليس قضاءا وقدرا بل ساهمت فيه المجتمعات إما بالتقصير في الحماية او من قلة الإمكانيات أو بكل اسف بالجهل الذي تغرق في ظلماته المجتمعات التي لم تر نور العلم او احجب عنها بفعل فاعل غالبا ما يكون ذلك من أجل مصلحة نخب تسعى الإبقاء على المجموعات البشرية في غفلة من الأمور لتخلو لها مسألة السيطرة والهيمنة على المصالح وتركيزها في الجانب الذي تكون فيه وتترك الباقي كعبيد تابعين الجهة التي في يدها السلطة المطلقة التي تجمع المال والثروة وتضيف اليها في أحيان كثيرة المعتقد وتمول دعاته وتخصص لهم مكانة اجتماعية لأنهم رعاة للقطيع وووسيلة لتجميعه حول الشخص او الجماعة التي لها الحظوة والهيمنة على ما هو مادي ومعنوي .والسلطة هنا ليست فقط بنادق ومتاريس وضربات على الرقاب بل هي هيمنة تسيطر على الفكر والسلوك وتقزم كل من ينظر الى الأعلى وتنزل به في دهاليز الخضوع والتعلق بالأهداب الي غالبا ما تكون هو من نسجها بكل ما ملك من حرفية واتقان ليصبح في الأخير معلقا في منتوجه دون أن يدري ، والإنسان بطبعه غالبا ما يصاب ب "متلازمة استوكولهم" ليقع في حبه للجلاد بالرغم من انه ضحية . لأن السلطة بمختلف اوجهها وضغوطها تعمد بالفعل وعن قصد الى الرفع مستوى افراز" الأدرلين" تلك المادة الهرمونية التي تفرزها الغدد الكظرية التي تسرع وتيرة دقات القلب وترفع ضغط الدم وتوسع القصبات الهوائية ، لدى الضحية او الضحايا حتى تكسب ودهم لكي يصطفوا لجانبها بل يصبحون جنودا مدافعين عن تلك السلطة التي بالأمس القريب عذبتهم وجوعته واخذتهم رهائن منظومتها ويكونوا مستعدين للدفاع عنها في مواجهة كل معارض لتلك السلطة بالرغم أن تلك المعارضة ليس في اجندتها سوى تحريرهم من هيمنة وسيطرة السلطة التي سحبت منهم كل مجال للحرية والعيش الكريم . . إن البعد الفلسفي والسياسي الذي يكتنف هذا الوضع حين تعم مجتمعا ما جائحة كما هو حال فيروس كورونا يدفع الى التفكير للتخلص منه عبر تشغيل العقل في اقصى سرعته للتوصل أولا لمعرفة وتشخيص الفيروس ومعرفة اللقاح الذي يمكن أن يحمي الإنسان منه ليكون في صحة جيدة ، لكن المعرفة التي راكمتها البشرية لحد الآن لم تتوصل لشيئ بل كل الحلول اختزلت في الإختباء والقوقعة في المنازل ووضع الكمامات والتشديد على النظافة حيث أصبحت هذه الأخيرة كانها اكتشاف جديد ، غير الأجدى والأحرى كان علينا أن ننظف فكرنا وإزالة ما علق به من أفكار لترفع عنا هذا الوباء الذي كشف الجهل العميق الذي غرقنا فيه لأننا بنينا منظومات وهياكل وبنيات ، مجتمعات ودول ومنظمات دولية وجهوية لا تعطي للفكر والبحث العلمي بالخصوص اية قيمة سوى ما يتعلق بالجانب الرأسمالي الإستغلالي الذي يجعل من الربح المادي هو الهدف الأول والأخير ، ولذلك راينا كيف أن الحروب تتكاثر لأنها مدرة للربح لتجار السلاح وكيف أن الجوع ينتشر في مناطق الساحل ومناطق الحروب وكذلك الأوبئة وأن المساعدات الدولية تتجه حيث المصالح السياسية والإقتصاديةوالإستراتيجية . والغائب او المغيب في كل هذا هو الإنسان الذي لم يعد في الحسبان ولا هدفا من اهداف الإستراتيجية الوطنية ولا الدولية ولا القارية ، وواقع هذا الفيروس وما تركه من أثار سلبية وما كشفه من ثغرات في تركيبة الفكر الإنساني الذي تقوت لدية الأنانية بشكل فضيع حتى صارت المجتمعات بالرغم من سكنها في تجمعات ما هي إلا تجمعات فردية بل حتى أن الأسرة لم تعد سوى أفرادا تحت سقف واحد لكل واحد عالمه . وما الأحداث التي عرفتها الدول منذ العشرينية الأخيرة بداية من سقوط جدار برلين وتفكيك الإتحاد السوفياتي وسقوط نظام تشاوسيسكو وصعود اليمين في اروبا وكسب مقاعد عديدة في البرلمان الأروبي140على 751، وفوز ترامب ضمن سياسة أمريكية خارجية وداخلية تتسم بالهيمنة ونشر الكراهية ضد الأجانب والمسلمين والسود وما فاجعة جون فلويد إلا اخر وليس آخر مظهر من مظاهر سياسة عنصرية التي تتسمع بها الرأسمالية العالمية والأمريكية بالذات كما أن الشروع في بناء جدار مع المكسيك خو تجسيد لتلك العنصرية وهذا ما اشعل نارها ا التي كانت دائما بين ثنايا فكر المجتمع ٍ الراسمالي الأناني واليبيرالية المتوحشة ما اجج نار الكراهية بين البيض والسود وارتفاع عدد الإعتداءات على ذوي الأصول الإفريقية والإسبانية والعربية والمعتنقين للديانة الإسلامية هذا ما طبع ولاية ترامب ويمكن وصفها باحلك مرحلة في الرئاسيات الأمريكة في هذا القرن21 . لكن الإيجابي في الأوبئة هي انها لحظات تدفع الإنسان لإستخدام العقل بوتيرة سريعة وتحفزه للتفكير كل في مجاله ومحيطه وعمق كينونته ، وهذا على الأقل يكون انطلاقة لمراجعة جذرية للعديد من المفاهيم الخاطئة التي تعودنا على تكرارها دون التوقف على دقتها وتصحيحها لأننا نتبع الذهنية التقليدية والتقليدانية ونسير على خطى القطيع كاننا (…) وبالخصوص في مجال الحماية من الوباء وكيفية محاربته وطبعا يكون التفكير ليس مركزا وحده على هذا الجانب لأن ذوي الإختصاص لهم مجالات العمل التي تجعلهم زمن الوباء والعزلة في تفكير دائم …لأن أولا المسألة هي قضية حياة أوموت الذي يهدد المجتمعات كلما حل بها وباء من الأوبئة، والموت والحياة هي مطروحة دائما على المفكرين والعلماء والفلاسفة والإنسان بصفة عامة لكن كل واحد يتعامل معها من منظوره ومستواه الفكري .فانيوتن دفعه الطاعون لترك الجامعة والإنعزال في ضيعة العائلة واخترع لناقوانين الجاذبية واثر ذلك كله على الحياة العملية لفهم الحركة واستعمالاتها في الصناعة ، وقس على ذلك في كل الأختراعات التي تأتي في ظروف استثنائية مثل الأوبئة والحروب والزلازل . . وإذا كانت الأوبئة هي عامل من عوامل تحفيز الإنسان على التفكير وتحريك العقل بشكل متسارع للخروج من الضائقة وتنفس الكرب والحياة الحرة التي سيتنفس فيها الإنسان الحريات ويرفه النفس عوض البؤس والحزن الذي يخيم عليه زمن الجائحة او أي مكروه طبيعي او من فعل الإنسان كالحروب والأزمة الاقتصادية والصراعات الاجتماعية التي أسبابها مختلقة إما عقائدية او عرقية او سياسية ، فلنجعل من زمن كورونا بانطلاقا للعقلانية وتثبيتها كاساس لتعاملنا مع كل الظواهر الاجتماعية والإقتصادية والسياسية ، ولنشرع بتعليمنا ووضع أسس لمناهج تعلم يكون فيها الإنسان هو مركز كل النظريات من أجل حياة افضل في محيط سليم ، محيط بيئي وتربوي وأخلاقي وتواصلي راق يستمد ركائزه من تاريخنا وشخصيتنا المتنوعة المشارب والأفكار. ولا نركن للحلول السريعة والسهلة والترقيعية من أجل الحفاظ على مصالح منتهية في الزمان والمكان والتي تنتهي بالحتمية لأنها بالأساس غير مؤسسة على حقائق علمية وثابتة تتطور مع التطورات وتتحين مع كل تغيير. . هل كنا لا نفكر قبل كورونا ؟ أم ان تفكيرنا في عمق كورونا له منهجية أخرى مغاير لما قبل كورونا ؟ هل نحن مازلنا كما كنا قبل وفي طل هلع هذا الوباء؟ أسئلة لن نستطيع الإجابة عنها ولو حتى حاولنا فلن نفي بالغرض لأن المهم والأهم في كل هذا هو ان نعرف أننا كمجتمعات ودول وجماعات وافرادا لم نولي الأهمية التي تليق بالإنسان، الإنسان المجرد عن كل هويات وملونات وحيثيات مظهرية ملصقة به واحكام مسبقة تعطيه تصنيفا تمييزيا وتجرده من جوهر انه إنسان نعم إنسان، فصرنا نبني السياسات على بنيات تعود لعهود غابرة هذا يبني صرحا على أسس التمييز وذاك ينهب الأرض من أجل إقامة كيان على ارض عاش فيها شعبا آخر بناءا على القوة العسكرية وقرارات استعمارية دولية وعقليات السمو العرق … في حين ان لا عرق سام عن عرق الإنسان كل له لحم ودم وروح وقلب يستطيع أن يحب الحميع وأن عقل يستطيع أن يوجد الإستمرارية في هذه الحياة بدون نزاعات ولا حروب. لكن قد نقول أن تلك مثالية تقترف من مثالية افطون لكن الواقع هو ان الإنسان ذئب لأخيه الإنسان قيل هذا منذ ازمنة غابرة ومالت حقيقة الأمر قائمة في واقعنا المعاش والفاهيم والأحكام على أسس ليست هي من جوهر الإنسان بل بقايا سياسات عنصرية أضفنا لها تلاوين ومبررات تدفعنا لتعميق التمييز والجهل بالإنسان ذاك الكائن الذي وجب أن يعيش وبكرامة واعتبار وتقدير من لدن ذاته أولا ثم من كل المجتمع. لن نكون اخرين إن لم نغير أنفسنا ونعترف باننا نسكن مناطق واسعة من الجهل ونغطيها بانانيتنا على انها معرفة وتجارب ونجاحات وهي في الواقع سلسلة من الفشل وسلسلة من الجرائم مرتكبة في حقنا نحن وفي غيرنا ولكن في الأخير هذا الإنسان هو الجلاد وهو الضحية ،طبعا تلك هي المفارقة الأزلية التي تخيم على عصرنا وتجعل منا ذاك الإنسان الذي لم يتسع افقه ليشمل الكون والفضاء بالرغم من كل المعارف التي توصل اليها الإنسان إلا ان محدودية فكره وافقه جعل منه ذلك الإنسان المجهول الذي يرغب في العيش على حساب الأخر واستنغلاله عوض التعاون معه من اجل غد افضل. إذن هذه فرصة تاريخية جاءت زمن كورونا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة ليدخلنا لذواتنا ونحاورها ونسائلها عما فعلت لتلقى هذا المصير المجهول ، طبعا حطمنا الأصنام عبر التاريخ لنقيم أصناما اكثر منها صلابة من البرونز لأفراد استعبدوا الناس ولرموز عنصرية ولأبطال صنعوا في استيوهات هولوود.. ولمعارك وهمية كانوا دوما هم الفائزون والباقي خاسرون هم المتفوقون في كل شيئ ، وبذلك تكون لدى البعض عقدة السمو والقوة ، والحال ان الكل سواسية الكل إنسان ، أما حان بعد التفيير في الإنسان ولو في زمن كورونا؟