إيران لإسرائيل: الرّد ديالنا التالي غايكون على أقصى مستوى    ألف درهم تساوي 8000 درهم.. عملية نصب كبرى تتربص بالطنجاويين    جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنساني    لاعبو بركان يتدربون في المطار بالجزائر    هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    دراسات لإنجاز "كورنيش" بشاطئ سواني    أمن مراكش يوقف شقيقين بشبهة النصب    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    بانتصار ساحق على ليبيا.. المغرب يبلغ نهائي كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة ويضمن التأهل للمونديال    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    إطلاق الرصاص لتوقيف شخص عرّض أمن المواطنين وسلامة موظفي الشرطة لاعتداء جدي ووشيك باستعمال السلاح الأبيض    المكسيك – موجة حر.. ضربات الشمس تتسبب في وفاة شخص وإصابة العشرات    طقس السبت.. أمطار رعدية ورياح قوية بهذه المناطق من المغرب    ما الذي قاله هشام الدكيك عقب تأهل المغرب المستحق إلى كأس العالم؟    العرض السياحي بإقليم وزان يتعزز بافتتاح وحدة فندقية مصنفة في فئة 4 نجوم    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    طلبة الصيدلة يرفضون "السنة البيضاء"    مسؤول بلجيكي : المغرب وبلجيكا يوحدهما ماض وحاضر ومستقبل مشترك    وزير الفلاحة المالي يشيد بتقدم المغرب في تدبير المياه والسدود    صلاح السعدني .. رحيل "عمدة الفن المصري"    المغرب وروسيا يعززان التعاون القضائي بتوقيع مذكرة تفاهم    وزارة التجهيز والماء تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر بسبب هبوب رياح قوية وتطاير الغبار    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    المعرض الدولي للكتاب.. بنسعيد: نعمل على ملائمة أسعار الكتاب مع جيوب المغاربة    ها أول تعليق رسمي ديال إيران على "الهجوم الإسرائيلي"    خاص..الاتحاد ربح الحركة فرئاسة لجن العدل والتشريع وها علاش الاغلبية غاتصوت على باعزيز    "لارام" و"سافران" تعززان شراكتهما في صيانة محركات الطائرات    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    تعرض الدولي المغربي نايف أكرد للإصابة    مجلس النواب يعقد جلسة لاستكمال هياكله    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    "إعلان الرباط" يدعو إلى تحسين إدارة تدفقات الهجرة بإفريقيا    موعد الجولة ال27 من البطولة ومؤجل الكأس    طوق أمني حول قنصلية إيران في باريس    المكتب التنفيذي ل"الكاف" يجدد دعمه لملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030    بسبب فيتو أمريكي: مجلس الأمن يفشل في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدود المغربية الجزائرية: الجذور والخلفيات
نشر في لكم يوم 24 - 11 - 2020

تؤكد مجموعة من الكتابات التاريخية الأكاديمية أن فكرة الحدود السياسية دخيلة على المنطقة المغاربية، وأن الفهم الذي كان سائدا خلال فترة ما قبل الاستعمار هو أن دار الإسلام مجال جغرافي وفضاء حضاري ممتد وشاسع، يحق فيه للمسلم أن يستوطن في أي جهة من جهاته، وأن الحدود لا يمكن أن تكون فعليا إلا بين دار الإسلام ودار الحرب، وقد فصلت دراسة الأستاذ عبد الرحيم بنحادة في تتبع هذه الفكرة وتبيان مدى عدم دقتها في الحالة العثمانية. ومن المعلوم أن عدد من الدارسين الغربيين خصوصا دافعوا عن فكرة عدم وجود حدود داخل الفضاء العربي الإسلامي الذي تحكمت فيه عقلية الانتماء لدار الإسلام، بيد أن ذلك كان بخلفية مغرضة، من خلال تأكيدهم أن البلدان العربية والإسلامية لم تعتمد مبدأ الحد الفاصل بين سيادتين متجاورتين إلا في القرن التاسع عشر، وذلك في إطار حركة التوسع الكولونيالي، وهو ما يعني تأخر تبلور مفهوم الدولة بشكلها الحديث في الضفة الجنوبية من البحر المتوسط، وهذا التصورلا ينطبق فعليا مع الوقائع ولا يستقيم تاريخيا، فمن المعلوم أنه بعد حلول العثمانيين بشمال إفريقيا مع بداية القرن السادس عشر– وهو معطى جديد من الناحية السياسية – حاولوا إقامة حدود بين باشوية الجزائر والمغرب، وهي حدود وإن لم تتخذ المفهوم الأوروبي الحديث حسب الباحث محمد أمطاط إلا أنها كانت قضية حاضرة ، فلم تكن مشكلة الأطراف إذن وليدة القرن التاسع عشر والعشرين، بل هي "ظاهرة قديمة في تاريخ المغرب، وبرزت بشكل لافت خلال القرن السابع عشر إثر أول محاولة لإثبات معالم الحدود بين أتراك الجزائر والسلاطين العلويين"، وهو أمر تتبعته دراسات عكاشة برحاب بكثير من الدقة.
لقد عرفت الإمبراطورية العثمانية خلال القرن السابع عشر وبالتزامن مع تراجعاتها الاهتمام بمبدأ الحدود الفاصلة بينها وبين الأقاليم الخارجة عنها عبر اتفاقيات تحديد، وهو الأمر الذي لم تكن تُعيره أي اهتمام في السابق، ففي الشرق مثلا أسفرت المواجهات بينها وبين الصفويين إلى إرساء اتفاق حدودي سنة 1639م وذلك في معاهدة قصر شيرين (أو زهاب)، التي حددت الأماكن الفاصلة بينهما من حصون ومدن وقرى وجبال بشكل دقيق جدا. وعلى الواجهة الأوربية ضبطت معاهدة زيتفاتوروك في نونبر 1606م الصلح بين العثمانيين والنمسا، واعترف كل من الطرفين، بمقتضاها، بالحدود السابقة بينهما، فالتحديد الترابي كما هو جلي ليس غريبا عن التقاليد السياسية العثمانية، ولم ينحصر في العلاقات مع المختلفين في العقيدة معها، بل شمل المسلمين أيضا. بل إن مشاكل الحدود طرحت حتى فيما بين الايالات التابعة للدولة العثمانية، فقد أشارت فاطمة بن سليمان إلى أن الطرفين الجزائري والتونسي اتفقا سنة 1614م على اعتبار واد سرط حاجزا بين العمالتين .فالاعتراف بهذا الحد يعطي للمجال طابع الاستقرار والثبات، وقد كان هذا الاتفاق أهم تحول في العلاقات بين الايالتين، فقد اكتسب الحد معنى قانونيا وأصبح لوثيقة التحديد طابعا إلزاميا تسبب خرقه في تجدد النزاعات بين الايالتين. ومثلما حدث سنة 1614 أرسل حكام تونس مجددا وفدا للتفاوض مع الطرف الجزائري بهدف إيجاد حل للنزاع الترابي بينهما، وقد أسفرت المفاوضات مرة أخرى على وضع اتفاق مكتوب وُقِّع بالجزائر سنة 1628م، وقد نص على إنهاء الحرب بين الطرفين واعتبار قلعة ارق (قلعة سنان) مكانا محايدا. كما تم التأكيد مرة أخرى على اعتبار واد سرط حدا جبائيا وبشريا بين العمالتين. إنه اتفاق ورقي يضبط الامتداد الجغرافي والبشري لكل سلطة حسب ما انتهت إليه دراسة الباحثة التونسية بن سليمان عن الهوية ونشوء الدولة الترابية بالبلاد التونسية.
بالنظر إلى ما سبق هل يمكن اعتبار فكرة ترسيم الحدود سلوكا جديدا في تاريخ العلاقات المغربية والولاية التركية المجاورة خلال هذه الفترة أم أن الأمر مجرد مناورة سياسية ؟
لقد خُصِّصت الدورة الخامسة من ملتقيات التاريخ التي نظمت بطنجة لِموضوع الحدود وإشكالياته، وذلك من 8 إلى 11 أبريل 2009م، بتنظيم الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وقد اتخذ موضوع المائدة المستديرة الثانية "الحدود في المنطقة المغاربية: المجال والهوية" بمشاركة عبد السلام الشدادي، ومحمد اللبار، وفاطمة بن سليمان، ودانييل ريفي. وقد تم خلالها إبراز الخطوط والمبادئ الكبرى التي تتحكم في سياسة الحدود في بلدان المغارب، وذلك عبر تتبع تاريخ مختلف الصراعات الحدودية .في حين كان موضوع المائدة المستديرة الثالثة "بين الدولة والأمة: مسألة الحدود في العالم الإسلامي" بمشاركة عبد الرحيم بنحادة،عبد الحميد هنية، عبد الرحيم الطبايلي، محمد الارناؤوط وآخرين. وقد استحضرت هذه المائدة قضايا الحدود بين البلدان الإسلامية مع التركيز على الحقبة الحديثة والمعاصرة، وعلى العلاقات بين الدولة العثمانية بجيرانها المغرب وبلاد فارس، وكذا رصد العلاقات بين مختلف الولايات العثمانية ذاتها، وهي من اللقاءات النادرة والاستثنائية التي تناولت الموضوع الشائك بالنظر إلى الحساسيات السياسية المرتبطة بهذه القضية في المجال المغاربي بعد الاستقلال.
لقد كان الباب العالي يتخوف كثيرا من مسألة التوسع المغربي على الواجهة الغربية الجزائرية سابقا، خصوصا وأن الدول المغربية (السعديين والعلويين من بعدهم) تمتعوا بالشرعية الجهادية التي منحتهم تعاطفا حتى من القبائل الجزائرية، بالإضافة إلى شرعية النسب الشريف الذي أعطاهم الأولوية والقبول لدى العامة بالنظر الى الذهنيات السائدة آنذاك. لذلك فقد حرص العثمانيون على ترسيم الحدود مع المغرب، فكيف تم إقرار هذا العنصر في العلاقات المغربية التركية خلال هذه الحقبة ليتحول من الطارئ للثابت؟
لقد كان المغرب يسعى فعليا وكلما سنحت له الفرصة إلى توسيع نفوذه شرقا، وهذا ما تجلى في كثرة الحملات العسكرية التي كان يشنها، وخصوصا في بدايات الحكم العلوي، وهو ما كانت السلطة التركية على وعي تام بخطورته على الأوضاع، لذلك كان الأتراك سبّاقون لطرح مسألة الحدود بين الطرفين على الأرض للحوار، متجاوزين بذلك الفكرة التقليدية السائدة عن رفض الإسلام تقسيم تراب البلدان الإسلامية مراعاة لوحدة الأمة وشوكة المسلمين، وقد استطاعت البعثة التركية الأولى النجاح في مساعيها من خلال إقناع السلطان المغربي محمد العلوي (1640/1664) بفكرة رسم الحدود بين المغرب والولاية التركية الجزائرية، وانتزعوا منه أوَّلَ تعهُّدٍ مكتوبٍ بذلك، فقد انتهت مراسلات عثمان باشا صاحب الجزائر مع السلطان محمد بن الشريف العلوي سنة 1064 بوساطة علماء جزائريين إلى تحقيق الهدنة، إذ تعهد لهم محمد الأول بعدم التعرض للإيالة العثمانية بقوله كما جاء ذلك عند المؤرخ الناصري: "وإني أعاهد الله تعالى لا أعرض بعد هذا اليوم لبلادكم ولا لرعيتكم بسوء، وإني أعطيكم ذمة الله وذمة رسوله لا قطعت وادي تافنا إلى ناحيتكم (…) وكتب بذلك عهدا إلى صاحب الجزائر (…) ولم يعد لغزو الشرق ولا توجه إليه". ونص الرسالة التي بعثها أهل الديوان بالدولانتي مع اثنين من علماء الجزائر واثنين من أعيان الترك ننقلها كاملة، وهي من إملاء الكاتب المحجوب الحضري، ونصها: الحمد لله الذي وصى ولا رخص في مدافعة اللص والصائد شريفا أو مشروفا، ونص وهو الصمد الصادق سبحانه على فصم عرى أصله المتواصل مجهولا أو معروفا، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وعلى آله تيجان المفارق، وبراقع الجباه والخياشم، وصحابته صوارم الصولة الحاسمة للكفر الطلا والغلاصم. ولا زائد بعد حمد الله الأقصد، خطاب الشريف المنيف الجليل القدر، الجميل اللهجة والصدر، من رتق الله به فتوق وطنه وحمى من أحزاب الأباطيل أنجاد وأغوار عطفه، حفيد مولانا علي وسيدتنا البتول وولد مولانا الشريف بن علي الستيل الصول. سلام عليكم: ما رصع الجفان صموت البحور، ولمع الجواهر الحسان، ورحمة الله وبركاته، ما أساغت محض الحلال ذكاته، فقد كاتبناكم من مغنى غنيمة الظاعن والمقيم والزاير، رباط الجريد مدينة الجزائر، صان الله مِن البر والبحر عرضها، وأقر من زعازع العواصف والغواصي أرضها، إلماعا لكم معادن الرياسة، وفرسان القيافة والعيافة والسياسة، فضلا عن سماء صحا من الغيم والقتام جوه، وضحى نشرت عليه الوديقة وَشْيُهَا ففشا ضوه. إن شؤون مملكة لم يتوارى على مكنون علمكم أمرها، ولا أعوز عزائمكم زيدها وعمرها، وذلك أن الوهاب سبحانه فنحكم همة وهيبة الجود والحلم والحماسة، واختار لكم عونان عنايتها في غاب الصون سجلماسة، لكن فاتكم سر الرأي والتدبير، وارتكب حزمكم جموح الجهل والجهد والتبذير، مع ن ذلك في نفس الحقيقة دأب من هو أساس الدولة، لا يجمعها إلا لجباية الجولة خرقت على الإيالة العثمانية جلبابها صونها الجديد، من وجدة الأبلى إلى حدود الجريد، فجبلت عنا أخلاق وأخلاد الأعراب وأتى يجمعها إلى أن تعرفوا علينا في أرفق الأرب، شنت الغارة الشعواء على بني يعقوب، وقسمت رسمهم على العقب والعرقوب، وغدرت جعافرهم فصار يسعى عيالهم الزياني والموزونة، في أسواق مستغانم وديار مزونة، وجررت ذيل المذلة والهوان على أطراف الغسول والأغواط، فالتقطتهم دخيستك التقاط سباع الطير للوطواط، وقادك الجاهل الجهم محمد وحميان، لعين ماضي والصوانع وبني يطفيان، فراحت رياح وسويد ينفض كل بطل منهم غباره وطينه، على طود راشد وقسنطينة، ولا كادنا إلا ما هتكتم من ستر السر على مرس أبي الربيع سيدي سليمان مع أنكم أولى من يراعي حرمته وتوقيره، ويدافع عنه وعمن سواه ويرفد وقيره، وتنسب العجم للجهل وأنهم جفاة وأجلاف، ثم صرتم انتم بدلاء وأخلاف، خرج جيش قصبتنا بتلمسان بما لهم من الرماة والفرسان، فهزمتموهم بقرار، وقتلتموهم قتلة مذلة واحتقار، فقلنا هذا أقل جزاء كل كلب حقير عقور، ويعرض عِرضه لصولة الأسد الهصور، ولا وقت الآفة في الغالب إلا الحضر مع شياع في الأجنة تجني الجنا والخضر، كان أولاد طلحة وبنو هداج والخراج يؤدون لهذه المثابة ما ثقل وخف من الخرج والخراج، ولا يفوتنا من ملازمها وبر ولا شعر ولا صوف ولا سقب ولا جدي ولا خروف، إلى أن طلعت علينا شمس غرتك السعيدة فعادت كل شيعة قريبة بعيدة، وأعانك افتراق الجفاة أهل وجدة، ونصيبك الأوفر منهم أهل جدوى وجدى ونجدة، ولولاك ما ثار علينا أهل تلمسان، وأنكروا ما لنا عليهم قديما من أسمى الحنانة والإحسان، وردوا عليك في الساحة والبساط، مرغوبهم زفرتك علينا بسطوة الثعبان والساط، مع علمنا اليقيني أن شجرتنا لا تضعضع بزعازع حيان، ولا تندرس ولو أنهار عليها جبال جيان، وأن الحجر لا يدق بالطوب، والخاطف لا يطأ أوطية الخطوب، كذلك في المثل جندك خفاف الصدور والورود، لا يصبرون لصواعق البارود، ولا تنجح حجة الدروع والدوابل إلا حين شن الغارات على قلائل القبائل، وأما أسوار الجحافل وأدوار الكتائب لا يصدمها فيهدمها إلا سيول الخيول والرماة اولرواتب، وزينت صولتك لبني عامر لذاذة النفار لكنف الكوافر، ودخل الوسواس والسوس جبال نزارة ومطغرة وبني سنوس، والرعايا تود أن يحتفل لبنها في ضروعها، لتختزن في تبن الخداع سنبل زروعها، وإن قبلت منهم الأقوال والأفعال، تعلو طباعها على الدولة فتصير كالأغوال، إياك إياك والغرور بما عثرت عليه من كتاب البوني وأوراق السيوطي، وعلي بادي ورسالة أهل سبتة لعبد الحق ابن أبي سعيد المريني، لأنك المخصوص بصعود تلكم الأدراج، ذلك منك بعيد الوصول، لا تدرك ذلك بالمسونة ولا بقبابع النصول، وأن أوتاد الروم والترك لا تتقوض من أرضين الغرب، ولا يبقى من ينازعهم فيه بحرب ولا ضرب، ليس لك في غنيمة إدراك طمع، ولا سبيل لتبديد ما نظمه حازمنا وجمع، وقد غرت بك أضغاث أحلام ، وأغواك غرور الغيب بضباب أصبح ظنك فيه في غياهب الإظلام، فإن جازفت بهذا إنك حانث، وإن كان منكم يقينا فرابع أو ثالث. أول الدولة ثائر، والثاني مفتق له سائر، والثالث لكما أمير نائر، إما عادل أو جائر، فلا تمدن باع المخاطرة إلى أوطاننا فتخشى مخالب سطوة سلطاننا، وأما الشجاعة الغريزية فقد علمنا أن لك فيها بالمهيمن سبحانه أوفى وأوفر نصيب، وممن ضرب فيها فأصاب الغرض بكل سهم مصيب، لكن كفاية الشجاع إذا حمى الوطيس الدفاع، سيما في هذا الحين، الذي أبخستها في الخلاص سلعة الرصاص، وجسرك علينا كونك في وطنك عقاب على فرع شجرة، أو جبحا احتل تحت صدع شجرة، لو رأيت مليك إحدى أمصار البر والبحر لعلمت أنك محجور ومحجوب في حق الحجر، وتحققت أن بين الأمراء مدارات ومراعات، وأن أحوال الدول أيام وساعات، كل أحد يحاول على صدع فخاره، ويطلق بخوره تحت شن بخاره، وما مرادنا إلا أمن العرب في المواضع، ليطيب لها جولان الانتقال في المشاتي والمرابع، ويجلب منكم الغني والعديم، ما يحصل له الربح من الكساء والحناء والأديم، فإن تعلقت لك الهمة بالولاية عليك بالمدن التي حجرها عليك همج البربر، فصارت يدعى لها على المنابر، فشد حيازتك لتذوق حينئذ حلاوة الملك، المعجون بمرهم النجاة والهلك، ودع عنك وطر الرمال والعجاج، ومخاطرة النفس في الفيافي والفجاج، فقد أنشدناك جدك من الأب والأم، ومالك من خال وأخ وعم، أن تجلب نواحي تلمسان، ولا تزاحمها لمجن جموع رماة وفرسان، وإن اشتهت الأعراب غارت على بعضها البعض، فموعدها ما نأى عنا من مطلق الأرض،وخمسنا على الغالب، ليعلموا أن رأيهم عن معاني الصواب غائب، إذ كلهم ذو جفاء ونفار، ويعمهم عند الدول ما يعم المخازي الكفار، ليبقى بيننا وبينكم الستر المديد على الدوام، ونلغي كلام الوشاة من الأقوام، وقد شيعنا نحوكم أربعة صحاب تشرف بمجالستهم الخواطر والرحاب، الفقيه الوجيه السيد عبد الله النفزي والفقيه الأبر السيد الحاج محمد علي الحضري، واثنين من أركان ديواننا وقواعد إيواننا، أتراك سيوط وغاية غرضنا الجواب، بما هو أصفى وأصدق خطاب، والله سبحانه يوفقنا لأحمد طريقه، ويحشرنا مع جدك وبدور رفيقه مع الرسالة. لما بلغت الرسل مولاي محمد الشريف وقرأ الرسالة اغتاظ لما فيها من العتب والتقريع والإغلاظ في المقالة، فأحضر الرسل وعاتبهم على قول مرسلهم، وتحامله وعدم سلوك سبيل القصد في الخطاب، وتجافله، فقالوا: نحن لا علم لنا بما في الرسالة، ولو اكتفينا بما فيها ما قدمنا عليك، ولا قطعنا المهامة في الوصول إليك، جئناك لتعمل معنا شريعة جدك، وتقف عند حدك، فما كان جدك يحارب المسلمين، ولا يأمر بنهب المستضعفين، ولا بالغارة على الضعفاء والمساكين، فإن كان غرضك في الجهاد فرابط على الكفار الذين معكم في وسط البلاد، وإن كان غرضك في الاستيلاء على دولة آل عثمان فتقدم لها واستعن بالرحيم الرحمان، فلا يكون عليك ملام، هذا ما جئناك به والسلام، وأما إيقاد الفتنة بين العباد، فليس من شيم أهل البيت الأنجاد، ولا يخفى عليك أن ما تفعله حرام، ولا يجوز في مذهب من مذاهب المسلمين، ولا في قوانين الأروام، وهذان الفقيهان من علماء الجزائر جاءا إليك حتى يسمعا منك ما تقوله، ويحكم الله بيننا وبينك ورسوله، وقد تعطلت تجارتنا، وانقطعت سبلنا، وأجفلت عن وطنها رعايانا، فما جوابك عند الله معنا، وهذا الذي تفعله وأنت ابن رسول الله في بلادنا، لم يعجزنا أن نفعله نحن في بلادكم ورعاياكم، على أننا محمولون على الظلم والجور عندكم، لكن تأبى ذلك همة سلطاننا. فلما سمع ذلك مولاي مولاي محمد دخلته قشعريرة وأثر فيه وعظمهم ورجع إلى الحق، فقال: والله ما أوقعنا في هذا المحذور إلا شياطين الأعراب انتصروا بنا على أعرابهم وأوقعونا في معصية رب الأرباب، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإني أعهد الله ألا أعود لرعاياكم وأعطيتكم ذمة الله ورسوله لا قطعت وادي تافنا لناحيتكم إلا فيما يرضي الله ورسوله، وكتب لهم عهدا بذلك لدولاتني الجزائر عثمان باشا، ولم يعد لغزو الشرق ولا توجه لناحيتهم، وبقي مقتصرا على ما بيده.
لم ينضبط الملوك العلويون بعد وفاة المولى محمد للوعد الذي قطعه، فقد ظلوا مقتنعين بإمكانية ضم مناطق أخرى من الواجهة الشرقية للحاضرة المغربية، وهو ما تجلى في كثرة الحملات العسكرية، خصوصا في عهد حكم السلطانين: الرشيد (1664/1672) وإسماعيل (1672/1727)، في حين تمسك الأتراك الجزائريون باتفاقية الحدود السابقة مع الشريف محمد العلوي، وأشهروها في وجه المغرب للوقوف في وجه تهديداته المتكررة وحملاته.
ويوحي التمسك التركي-الجزائري بوادي تافنا كحد فاصل بين الطرفين اعتبارَ هؤلاء الاتفاق مع محمد بن علي الشريف حجة قانونية أشهروها في وجه خَلَفِهِ المولى إسماعيل لصده عن أي توسع على حساب الأراضي التابعة للإيالة العثمانية، وقد ذكر المؤرخ أكنسوس في الجيش العرمرم أنه سنة 1107ه ورد كتاب من السلطان العثماني على المولى إسماعيل يأمره بالصلح مع أهل الجزائر، فقد كاتبه الترك في أن يتخلى لهم عن بلادهم (وكان قد وصل إلى حدود تلمسان) ويقف عند حد أسلافه، ومن كان قبلهم من ملوك الدولة السعدية، وبعثوا إليه بكتاب أخيه المولى محمد بن الشريف وبكتاب أخيه المولى الرشيد الذي فيه الحد بينه وبينهم، فوقع الصلح على ذلك الحد الذي هو وادي تافنا كما سبق وأن أشار إلى ذلك أيضا أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا لدول المغرب الأقصى. وقد أكدت أغلب المصادر هذه الاتفاقيات وتتفاوت في مقدار الأخبار والتفاصيل بشأنها، ومنها أن السلطان إسماعيل العلوي توجه لحركة الشرق: "فترك تلمسان عن يساره"، وقد ذكر الكردودي "أنه أصحر بها، فقدمت عليه وفود الأعراب من ذوي منيع وواد خيسة وحميان والمهاية والعمور وأولاد جرير وسقونة وبني عامر والجشم، وتوجه بهم إلى أن نزل الكويعة على رأس وادي شنيف، والذين قادوه وكانوا معه في محلته هم بنو عامر، فخرجت محلة الترك من الجزائر بقضهم وقضيضهم ومدافعهم، ونزلوا على وادي شلف في مقابلته، ولما كان وقت العشاء الأخيرة وأرعدت مدافعهم وأبرقت، فدهشت الأعراب بفرارهم وانهزموا دون قتال، ولم يبق مع السلطان إلا عسكره، فكان ذلك سبب تأخيره عنهم ورجوعه دون قتال، وكاتبه الترك أن يتخلى عن بلادهم ويقف عند حد سلفه ومن كان قبله من الملوك السعديين، وبعثوا له كتاب أخيه مولاي محمد بن الشريف الذي وجه لهم مع رسله حسبما تقدمت الإشارة إليه وكتاب أخيه مولاي الرشيد الذي فيه الحد بينهم وبينه، فوقع الصلح على ذلك الحد الذي هو وادي تافنا، ورجع لوجدة فأمر ببنائها"، ومما يؤكد هذا أيضا رسالة من قائم مقام (كذا) محروسة جزائر في تلمسان إلى والي الجزائر (مؤرخة ب24ربيع الأول 1106ه) حول محاولة السلطان مولاي إسماعيل الاستيلاء على تلمسان، وقد أورد الوثيقة الباحث الجزائري خليفة حماش في كشاف وثائق تاريخ الجزائر في العهد العثماني، (ص167)، وتذكر المصادر الأخرى أن إسماعيل نزل القويعة على رأس واد شلف، فخرجت محلة الترك من الجزائر، فكان ذلك سبب تأخره عنهم ورجوعه دون قتال، وكاتبه الترك أن يتخلى عن بلادهم ويقف عند حد أسلافه ومن كان قبله من الملوك السعديين، فإنهم ما زاحموه قط في بلاده، وبعثوا له كتاب أخيه مولاي محمد بن الشريف الذي وجه لهم مع رسولهم وكتاب مولاي رشيد الذي فيه الحد بينهم وبينه فوقع الصلح على أن الحد وادي تافنا، وبذلك رجع السلطان لوجدة، وذلك كله عام تسعة وثمانين وألف"، على ما ذكره المؤرخ محمد المشرفي في الحلل البهية، وهو من أصول جزائرية.
لقد حاول الأتراك الجزائريون منذ العهد السعدي تطويق موقف هؤلاء بخطة الحدود المرسومة، حتى يمكن حصر نفوذهم بالمغرب الأقصى، وإن كانوا فشلوا في بداية الأمر من التوصل لاتفاقية مع السعديين، فإنهم نجحوا في ذلك أخيرا مع العلويين. لكن هذا لم يثن أبدا طموحات الشرفاء التي كانت تهدف إلى إحياء مشروع الإمبراطورية الموحدية الكبرى من خلال التوسع على الواجهة الشرقية، وقد يكون الانتماء لآل البيت أحد الدوافع الأساسية لهذا المشروع، وهو الأحقية في الخلافة الإسلامية، فالأمر يتجاوز بذلك مسألة الحدود إلى قضية أخطر، وهي قضية الصراع حول الخلافة، والباحث أحمد العماري من أولئك الذين أكدوا أن الخلاف بين الشرفاء المغاربة والأتراك لم يكن في عمقه يدور حول مشكلة الحدود، وإنما كان يدور حول مسألتين أساسيتين: أولا: أحقية الخلافة التي كان السعديون والعلويين يعتبرون أنفسهم أولى بها من الأتراك. ثانيا: وحدة الغرب الإسلامي التي كانت تبدو ضرورة "تاريخية" و"قومية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.