وظهر أن مسألة الاستعجال في وصول اللقاح ضد كوفيد 19، ليست من هموم منظمة الصحة العالمية والحكوماتالتي تلهث لوضع حد لنهاية الكابوس المهددللبشرية، بل هناك أيضا المنظمة الأممية للعبة كرة القدم (الفيفا) بأنديتها الكبرى والصغرى على حد سواء، كلها بانتظار تحقق الأمل الكبيروعودة الحياة الطبيعية بعودة الجماهير،إذ تم حرمان مشجعي كرة القدم من مؤازرة فرقهم في الملاعب، وصارت عقوبة "اللعب بدون جمهور" عقوبة عامة تسري على جميع الفرق التي فرض عليها اللعب "خلف الأبواب المغلقة". بالرغم من كون رياضة كرة القدم لعبة تعتمد على المشجعين فقد انتقلت الفرجة إلى الشاشات، وأصبح لزاما على الجماهير متابعة المباريات عبر التلفزيون أو على الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، ما أصاب الأندية بكارثة اقتصادية مهولة. يقول ياسين صاد، شاب من حي درب غلف الشعبي في الدارالبيضاء، أنه قد يصبر على الحجر الصحي والبطالة والفقر لكنه عاجز عن تقبله قمع كورونا بحرمانه من الذهاب إلى الملعب لمشاهدة فريقه المحبوب الرجاء البيضاوي (العالمي كما يسميه). في زمن كورونا صارت الجنائز تقام بلا مشيعينبسبب الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الفيروس.حتى المظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية صارتفي حساب الملغاة، ليس بفعل السلطات، ولكن بقرار من المحتجين والمتظاهرين أنفسهم، بوعيهم وتحملهم لمسؤوليتهم في احترام قواعد التباعد الاجتماعيللحد من الوباء الذي بات تفشيه مرتفعا بخطورة. الدارالبيضاء التي اعتاد المغاربة أن تكون في المقدمة على جميع الواجهات الإيجابية، أصبحت حقا الأولى في "الإيجابية" بالمعنى الطبي،بعد أن باتت تتقدم النشرة اليومية للإصابة بكوفيد على المستوى الوطني. يقول إلياس. ت. شاب من حي الألفة بالدارالبيضاء: "ما بيدنا حيلة، علينا أن نتكيف مع هذا الواقع الجديد، ونتابع من خلال التلفزيون مبارياتخالية المدرجات". محزن إجراء الديربي بين الرجاء والوداد من دون جمهورهما الكبير. وغريب أن تغيب المشاهد المثيرة ل"تيفوات" الخضراء والحمراء، حيث يفتقد سماع صرخة المظلومين من على المدرجات "في بلادي ظلموني" التي تردد صداها عبر العالم. *** هذا الأسبوع مر عام على "تيفو" رفعته جماهير "الألتراس" الرجاوية. "تيفو" حمل عبارة: "الغرفة 101″، التي تحيل على عمل أدبي خالد للروائي البريطاني جورج أورويل. ولم يكن جورج أورويل من أنصار نادي الرجاء البيضاوي ولا من محبي غريمه الوداد… بعد أن أخبروا أرويل بأن فريق كرة قدم من المغرب قد احتفى به وبروايته الشهيرة (1984)، من خلال تيفو كتبت عليه "الغرفة 101″، اتصل جورج أورويل بوكيل أعماله، وطلب منه رفع دعوى قضائية ضد من اقتبس من أعماله من غير إذن مسبق. كان جورج أورويل يعلم أنه لن يكسب الشيء الكثير حتى لو ربح الدعوى، كان غضبه الشديد نابعا من كرهه للعبة كرة القدم. لكن وكيل أعماله هدأ من روعه وطمأنه أن "التيفو" المذكور سارت بذكره الركبان، وأن الجماهير الرياضية قد تقبل اليوم على اقتناء روايته المشهورة وتتعرف عليه. أخذ الكاتب علبة دواء من فوق مكتبه، وتناول حبة منها للاستشفاء من مرض السل. ثم هدأ وابتسم قائلا: لا بأس، لكن لا بد من إخبار أولئك الحمقى والمجانين ممن يبتهجون ويستمتعون ويرقصون كالمجاذيب في ملاعب الدارالبيضاء وغيرها، بأني لست راضيا عنهم، ولا أحب حماقتهم ولا أحب كرتهم.. لكن لا تنسى أن تقول لهؤلاء البؤساء "إن كرة القدم ليست مجرد لعبة، ولكنها أعمق من ذلك. إنها طريقة لإعلان القتال بين الأمم المختلفة، ولكن في ساحة خضراء، وتحت وجود قاضٍ. إنها الحرب دون إطلاق نار. لا توجد هناك علاقة بين كرة القدم واللعب المنصف، فهي لعبة مرتبطة بالكراهية والغيرة، إهدار للأموال وإسراف مبالغ كبيرة وتجاهل جميع القواعد وسادية المتعة في مشاهدة العنف، وبعبارة أخرى إنها كالحرب بدون إطلاق النار". اقترب وكيل الأعمال منه وهمس في أذنه: – لكنهم يا جورج اختاروا عن طريق أدبك التعبير والاحتجاج عن غياب العدالة في بلادهم ورفضهم للظلم والاستبداد، وأن جمهور الديربي هم من أبناء الدارالبيضاء وهي مدينة عمالية. قاطعه جورج أورويل رافعا يده: -نعم، ولكن ليس بكرة القدم وفي الملاعب سنحصل على الديمقراطية… وصلني أن أعضاء الأولتراس يدخلون الملعب ويعطون ظهورهم للمباراة، هم لا يتفرجون بقدر ما يشجعون ويهتفون لفريقهم حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة، فيما الباقون، وهم الأغلبية من المتفرجين الحقيقيين تظل عيونهم شاخصة وقلوبهم خافقة حتى دخول الكرة إلى المرمى… وبهذه النتيجة "شي حاجة ما قضيناها"… وقف جورج أورويل واتجه لصاحبه: -عليك أن تغادر الآن فأمامي تحرير مقالة جديدة للصحيفة. وهو بالباب مازح الوكيل الكاتب: -هل هي مقالة أم تقرير استخباراتي؟ّ! رد أورويل عليه بحزم: – لا، إنه موضوع عن الطبقة العاملة، "إن رأيي في هذه الطبقة أنها الاحتمالية الوحيدة للبشرية، باعتبارها الطبقة التي ستحقق أكبر استفادة من إعادة بناء المجتمع". ولم يغادر الوكيل إلا بعد أن ألح على جورج أرويل ترديد عبارة: "ديما راجا.. ديما وداد". لكن لكنته الانجليزية لم تسعفه فنطقها: -دَمْ رجا.. دَمْ وداد". *** أي مستقبل يُنتظر بعد الحجر الصحي و"أعلى درجات العزلة"؟! وما هي نتيجة مباراة الديربي بين فريق الجوع والقهر وفريق القمع والبؤس والحرمان؟ هل لديك السير جورج أورويل من جواب شافٍ؟ – وتَا سِّييييرْ… قالها بّادريس (إدريس الخوري)… وضحك ثم بكى.