في أغلب مسيرات حركة 20 فبراير ، عام 2011، ظل أحد الشعارات يتردد بقوة مفاده "من آسفي طلعت الإشارة.. 20 فبراير محاصرة"، وقصة هذا الشعار تعود إلى 29 من ماي 2011 حنما أُعلنَ عن وفاة شاب أسمه كمال العماري نتيجة تدخل أمني لتفريق إحدى احتجاجات الحركة في أحد أبرز الأحياء الشعبية بالمدينة بعد وفاة كمال العماري، اتخذت حركة 20 فبراير فزخما قويا في باقي مدن المغرب، ولم تعد تخلوا مسيرة احتجاجية للحركة من صور شهيد الحركة كمال العماري، تروي عائلة كمال واصدقائه والنشطاء في آسفي أنه تلقى ضربا مبرحا على أيادي عناصر الشرطة مما تسبب له في كدمات ونزيف داخلي أدى إلى وفاته بعد حوالي خمسة أيام من اصابته.
وفي مقابل ذلك، أعلنت السلطات المغربية، أنَ وفاة كمال العماري كانت بسبب سكتة قلبية، وحمّلت العائلة وحركة 20 فبراير الشبابية التي نظمت وقفة أمام المستشفى ومسيرة ضخمة أنداك، السلطات الأمنية مسؤولية وفاة عماري وطالبت بمحاكمة الجناة، وأشار تقرير رسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن وفاة كمال العماري كانت بسبب الضرب المبرح المفضي إلى الموت. بعد مضي عشرة سنوات على ذكرى حركة 20 فبراير، وعلى غرار أغلب المدن التي قررت السلطات الأمنية منع احتجاجات الحركة فيها، فإنَّ "فبرايريو آسفي" خرجوا متنصلين من الحصار الأمني، وكأنَّها إشارة تؤكد أنَّ لآسفي استثناءً وهي المدينة التي قدمت خلال الحراك شهيدين يتعلق الأمر بكمال العماري، ثم محمد بودروة الذي تتضارب الروايات حول وفاته بعدما كان يعتصم أعلى سطح بناية تعود للوكالة الوطنية للتشغيل، وبعد الشهيدين، خلفت آسفي أيضًا، عشرات المعتقلين في ملف يُعرف ب"01 غشت" ليتم اطلاق سراح أغلبهم بعد مرور حوالي 6 شهور. تخليد الذكرى العاشرة للحركة عشية يوم السبت، بدأت تجمعات صغيرة تصل إلى ساحة مولاي يوسف، حيث توجد أبرز المعالم الآثرية التاريخية الممتدة من عصر الاستعمار البرتغالي لآسفي ثم الفرنسي، وهي الساحة التي اختارها نشطاء آسفي للتجمع، تيمنًا بذكرى أول يوم لخروج التظاهرات في أرجاء المدينة ذات يوم أحد من فبراير 2011. عاينَ موقع "لكم" عددًا محسوبا من رجال الشرطة وقوات التدخل السريع مع سيارتين في الوجهة المقابلة للاحتجاجات، وسيارتين في واجهة لا تبدو للعيان يمين التجمع، وهي الملاحظة التي التقطها مصطفى الساندية، أحد قادة الحركة الاحاجاجية محليا والمنتمي لجمعية أطاك المغرب خلال احتجاجات 20 فبراير، قائلا لموقع "لكم": "الأمر لا يوحي بمنعنا اليوم- هذا خبر جيَّد" وبعد مضي دقائق، بدأ "الرفاق" يجلبون اللافتات، واللوحات المكتوبة"، ويبدو من ذلك، أنَّ نشطاء الحركة، اكتسبوا تجربة في رصد وضبط الأجواء ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور قبل بدايتها، فيما توارت سيارة صغيرة للشرطة كانت تقف بمقربة من مكان الاحتجاج إلى الوراء فاسحة المجال للتجمع. في الجهة المقابلة للاحتجاجات كانت عناصر من الأمن بزين مدني تُراقب المحتجين عن كثب وتحمل معها كاميرات يدوية تُعرف بقدرتها على تكبير الصور لأبعد النقاط، وهي العملية الأمنية التي رافقت احتجاجات 20 فبراير منذ نشأتها. وسط هذا التجمع الذي لم يُناهز حوالي 100 فردا، يقف محمد الكناوي عضو حزب الاشتراكي الموحد، وأحد الفاعلين الرئيسين في نشأة حركة 20 فبراير محليا في مدينة آسفي، يتمعن الحضور وكأنَّ عيناه تتسائلان عن مضي 10 سنوات، يقول الكناوي في تصريح لموقع "لكم": منذ صباح اليوم، أخذت أتفقد العشرات من الصور لذكرى الحركة، شعرتُ بمزيج من الحزن والفرح"، مضيفا " لقد مرت 10 سنوات سريعًا، كنا نأمل جميعًا في مغرب أفضل". بدأ النشطاء الفبرايريون، يرفعونَ الشعارات من قبيل "عشريني عشريني راسي مرفوع.. ما مشري ما مبيوع" و"عاش الشعب.. عاش الشعب" قبل أن يلتحق بالمتظاهرين مجموعة من المعطلين الذين علقوا لافتة أخرى توحي إلى انتمائهم التنظيمي. بينما ترفع الشعارات، يمر قطار الكبريت قادمًا من معمل تكرير الفوسفاط على الوجهة البحرية وقصر البحر، ليعود هؤلاء النشطاء في رفع شعارات أخرى من قبيل "فوسفاط وجوج بحورة.. وبلادنا عايشة مقهورة" و"الطاقة والفوسفاط.. والماعيشة تحث السباط". ولم تخلوا احتجاجات آسفي من صور الصحافيين المعتقلين، عمر الراضي، وسليمان الريسوني، وصور أخرى لناصر الزفزافي قائد حراك الريف، ولافتات كُتب عليها " لا للجوع والفقر والقمع" و"لا للارتفاع الصاروخي في أسعار الكهرباء". مطالب الحركة أجهضت ومكتسباتها سُرقت وقال محمد الكناوي أحد نشطاء الحركة إنَّ الذكرى العاشرة ل 20 فبراير "إن هذه الذكرى تأتي في جو مشحون بالحزن والأحاسيس الجياشة"، معتبرًا أن مطالب الحركة تم الانقلاب عليها والسطو على مكتسباتها من جهات عادتها وحاربتها. وأضاف الكناوي: "في الحقيقة إنَّ هذا السطو لم يكن من طرف المخزن، وإنما كان من طرف حزب العدالة والتنمية الذي استغل الحراك"، وسجل المتحدث ذاته، أنَّ الذكرى العاشرة تأتي في ظل تراجعات حقوقية كبيرة، وجرى تغليب الجانب الأمني على الجانب الديمقراطي، وأشار إلى أن ذلك يؤكد أن مطالب حركة 20 فبراير مازالت قائمة، خصوصا، بعد حملة الاعتقالات التي طالت الصحافيين، والنشطاء في جرادة والحسيمة . ومن جانبه قال مصطفى الساندية إنَّ الحركة تُخلذ ذكراها وسط قمع شديد، منبهًا إلى أنَّ هذه الممارسات ستظل قائمة إلى أن تقفز إلى الوجود حركة احتجاجية وطنية شبيهة بحركة 20 فبراير، مؤكد أنَّ "ميزان القوى الحالي، ضروري أن يتم تعديله، وإن لم يكن فأنَّ القمع وسجن المواطنين والنشطاء والصحافيين سيتصاعد بشدة". وختم المتظاهرون وقفتهم الاحتجاجية كما دأبت عليه الحركة إبان 2011، عبر تلاوة بلاغات وبيانات وتسجيل موقف الحركة من الجو العام الذي يجري، سياسيا كان أو اجتماعيا، وحقوقيا، فيما كانت أعين العشرات من المواطنين يعبرون غير آبهين أو غير مصدقين وجود مثل هذا التجمع البشري وسط المدينة في فترة تفرض فيه السلطات حالة طوارئ صحية للحد من تفشي فيروس كورونا.