" اعتدت أن أكون منفردا بنفسي معكِ،سياق عذب جدا،عميق بما يكفي" *السبت 4 شتنبر 1948 لم أكتب إليكِ حبيبتي،لا البارحة، ولا قبل البارحة.المنزل آهل باستمرار. قبل البارحة،حضر روني شار وأصدقاؤه.البارحة قدم غرونيي(1)(كما تعلمين أستاذي ومرشدي)، رفقة عائلته من مصر.يتقلَّب رأسي جراء الوضع.زيادة على ذلك،منذ ثمان وأربعين ساعة، لم يتوقف هطول مطر مدرار،أغرق كل البلد،وجعل الحياة المادية أكثر صعوبة. هكذا،اضطررت خلال هذين اليومين،إلى الاستعانة دون توقف بوسيلة الطاكسي.ثم فقدت الاستئناس بتفاصيل العالم،اعتدت أن أكون منفردا بنفسي معكِ،سياق عذب جدا،عميق بما يكفي، لذلك لم أكن على مايرام، متعبا وتائها.عاد اليوم الهدوء.لكني سأقضي ردحا من اليوم مع جان غرونيي(1).تبدو السماء حبلى بأمطار لأيام وأيام.بيد أنه يلزمني الذهاب يوم الجمعة ! فكرت فيكِ طيلة زمن هذين اليومين.الأربعاء ليلا، وللمرة الأخيرة أصبح الجو رائعا جدا.تجولنا مع روني شار عند قمة مرتفعات منطقة فوكلوزVaucluseبحيث انطلقنا ليلا نحو هناك،على متن السيارة.ينغمس الطريق اللبني في الوادي الصغير وينخرط في البخار المضيء المخيم على القرى.لحظتها، لم نعد قادرين على التمييز بين نجمة أو ضوء إنساني.كانت هناك قرى وسط السماء وكذا كوكبة النجوم في الجبل.كان الليل في غاية الروعة،والرحابة، فوَّاحا بعطر يمنحنا قلبا كبيرا مثل العالم.مع ذلك أنت من يشغل هذا القلب.ولم أستلهمكِ قط بهذا القدر من الاستسلام والبهجة. إذا كان المناخ في الشمال شبيها بما يجري هنا فلا أعتقد بأنك ستتجاوزين موعد اليوم العاشر.علاوة على ذلك،علمت بفضل رسالة وصلتني من ميشيل(دون أن أسأله)عدم وجود غرفة شاغرة قبل يوم الخامس عشر.إذن ما العمل؟عموما سأهاتفكِ يوم الثامن أو التاسع،قبل الذهاب.يفزعني،مع ذلك،الهاتف كثيرا،وتضجرني فكرة أن ألتقيكِ ثانية عبر هذه الأداة. سأعود وقد أنجزت فقط نصف المسرحية.مما يشعرني بعدم الرضى.لكني لاأعرف لماذا،أعتمد عليكِ من أجل الانطلاق وأساعد نفسي.سأنتظر،هذا ما بوسعي فعله،أو تقريبا. فيما يتعلق بإشارة تافهة، أخبركِ بأن سحنتي السمراء توارت عن الأنظار.بالتالي،لن تشتهيني.لكننا سنعيش لون الزمان. أفكر في باريس،خلال الخريف،أخيرا سنكون معا.سينتهي إلى غير رجعة هذا التباعد الطويل.تبادلنا مراسلات ويبدو لي أننا تطورنا بفضل هذه الطريقة على مستوى معرفة أحدنا بالثاني. لقد منحنا استراحة لحمم شهر يوليو وكذا غليانه.لاحظنا ذلك جليا. النتيجة المترتبة عن ذلك، ترسخ الحب،انغمس بشكل أفضل،بكيفية أكثر صبرا وسخاء.أحبِّكِ وأثق فيك.الآن سنعيش. إلى اللقاء، ماريا.عما قريب، حبيبتي. أعانقكِ طويلا. *هامش : (1)الكاتب جان غرونيي(1898- 1971) ،أستاذ فلسفة سابق لألبير كامو بثانوية الجزائر ثم استمر صديقا له. عمله، الصادر أساسا عن "المجلة الفرنسية الجديدة"،مارس تأثيرا جوهريا في مشروع كامو.أشرف جان غرونيي، بعد الحرب على مجال النقد الفني في مجلة "نضال"، وامتهن أيضا التدريس في مصر. *المرجع : Albert Camus/ Maria Casarés :correspondance(1944- 1959) ;Gallimard ;2017.