نظام العسكر حاشي راسو فنزاع الصحرا.. وزير الخارجية الجزائري تلاقى بغوتييرش وها فاش هضرو    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    لامارين رويال نقذات 12 حراك من الغرق فسواحل العيون    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بني ملال..توقيف شخص متورط بشبهة التغرير و استدراج الأطفال القاصرين.    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    بوريطة: الهوية الإفريقية متجذرة بعمق في الاختيارات السياسية للمغرب بقيادة جلالة الملك    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "منتخب الفوتسال" ينهي التحضير للقاء ليبيا    محركات الطائرات تجمع "لارام" و"سافران"    "فيتو" أمريكي يفشل مساعي فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة    ابتزاز سائحة أجنبية يسقط أربعينيا بفاس    طقس الجمعة.. عودة أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    فيتو أمريكي في مجلس الأمن يمنع منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    أوكرانيا تستبق "تصويت الكونغرس على المساعدات" بالتحذير من حرب عالمية ثالثة    بوركينافاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين اتهمتهم بالقيام ب"أنشطة تخريبية"    توثق الوضع المفجع في غزة.. مصور فلسطيني يتوج بأفضل صورة صحفية عالمية في 2024    إعادة انتخاب بووانو رئيسا للمجموعة النيابية للعدالة والتنمية للنصف الثاني من الولاية الحالية    النواب يحسم موعد انتخاب اللجن الدائمة ويعقد الأربعاء جلسة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة    "أشبال الأطلس" يستهلون مشوارهم في بطولة شمال إفريقيا بتعادل مع الجزائر    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    غوغل تطرد 28 من موظفيها لمشاركتهم في احتجاج ضد عقد مع إسرائيل    مدير "الفاو" يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة    ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟        طنجة: توقيف شخص وحجز 1800 قرص مخدر من نوع "زيبام"    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    الحكومة ستستورد ازيد من 600 الف رأس من الأغنام لعيد الاضحى    مطار حمد الدولي يحصد لقب "أفضل مطار في العالم"    نجوم مغاربة في المربع الذهبي لأبطال أوروبا    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    السفينة الشراعية التدريبية للبحرية الألمانية "غورتش فوك" ترسو بميناء طنجة    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    أصيلة.. توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في ارتباطهم بالاتجار في المخدرات    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير في الفيروس والتطعيم والأداء الدولي بعد عام من الجائحة
نشر في لكم يوم 05 - 03 - 2021

لماذا أصبح سؤال "هل اللقاح فعال وآمن أم لا؟" مسألة إشكالية؟
وماذا يكشف لنا الواقع بعد سنة من انتشار الجائحة؟ وعلى ماذا يتستر؟
هذه محاولة من أجل استمرار التفكير في الجائحة وسط هذا الهرج–المرج في المعلومات المتأتية من كل حدب وصوب.
أولا: لقاح مضاد للفيروس وفيروس مضاد للحقيقة!
عالميا، وعلى مستوى عديد من الأقطار العربية أو الأجنبية، هناك خمسة أسباب، على الأقل، جعلت مناقشة أو الإجابة عن هذا السؤال إما مشوشة أو بعيدة عن الحقيقة.
أولا: طبيعة الفيروس نفسه. فما زال العقل والعلم البشريين يتعلمان ويحاولان فهمه. يُطور الفيروس طبيعته بسرعة، عَبْر تغيير تسلسله الصبغي/الجيني (وهو يفعل ذلك بسبب كثرة المصابين من جهة، ومن جهة أخرى، وبحسب بعض الدراسات، بسبب استعمال بعض العقاقير (مضادات حيوية) غير المناسبة).
ثانيا: تعدد الخطاب العلمي في الموضوع: انقسم الخبراء والأطباء في تقييم خطورة الفيروس (فيروس غير خطير/خطير/عادي؛ فيروس طبيعي/مصنع؛ فيروس قار/عابر،…) وفي تقييم فعالية وأمان اللقاح (فعال وآمن/ فعال، لكن لا يمكن تقدير درجة أمانه/غير فعال وغير آمن/غير آمن/غير فعال على الأمد البعيد/…). وسط هذا "الحايص بايص"، ماذا تركوا للناس العاديين؟!
ثالثا: تضارب المصالح التجارية: سنكون سُذَّجا إذا ما حيدنا من حسابنا تأثيرات شركات صناعة الأدوية على ما يجري ويدور مِن أحداث ومعلومات وأخبار ومعارف وتوجيهات "علمية"، بشأن الفيروس وسلالاته والعقاقير واللقاحات المضادة له. فالأرباح المتوقعة في «سوق أدوية الفيروس» ضخمة، والرهان على السبق وكسب الصفقات قوي، خاصة وأن الشركات المعنية لم تتحصل على الرخص الضرورية لتصنيع اللقاح في نفس الفترة (يجب ألا ننسى، أن من بين حوالي 200 شركة تستثمر في هذا الشأن، فقط 11 منها تقريبا دخلت مرحلة تصنيع اللقاح). وإذا كان من مصلحة الشركات التي وصلت مرحلة التصنيع تسريع البيع من خلال الدعاية لفعالية وأمان اللقاح، فإن من مصلحة تلك التي لم تصل هذه المرحلة التشكيك في ذلك؛ لتكسب المزيد من الوقت الذي يسمح لها هي الأخرى ضمان موقع لها في السوق. وبث الطمأنينة أو التشكيك في اللقاحات يجري على لسان خبراء ومجلات وأطباء تربطهم مصالح بالشركات المعنية (مرتزقة قطاع أدوية.. وهم كثر!). (لاحظ أن الحديث المكثف عن السلالة الجديدة للفيروس بدأ بُعيد أسابيع من إعلان دولا أوروبية توصلها إلى إنتاج اللقاحات، بينما تجدد الفيروس كان سابقا عن ذلك التاريخ بمدة طويلة! وفي هذا الجو من الخوف المتجدد، سارعت الشركات المصنِّعة إلى التأكيد أن اللقاح يقضي أيضا على السلالة الجديدة من الفيروس، بينما شككت في ذلك الأطراف الأخرى، التي تتقاطع وجهات نظرها مع الشركات التي لم تبدأ التصنيع بعد/ ولاحظ أيضا أنه جرى التعتيم أو التشكيك، بدعم من هؤلاء المرتزقة، على عقاقير كشفت دراسات أنها تحقق نتائج واعدة سواء ضد الأعراض الأولية أو في معالجة الحالات المستعصية [عقار الكولشيسين مثلا، وقبله عقار الهيدروكسي–كلولوكين، وغيرهما]).
ثم يجب ألا ننسى الشركات غير الصيدلانية، والتي إما استفادت (كقطاع الخدمات الرقمية، مثلا) أو تضررت (كقطاع السياحة، مثلا) من استمرار انتشار الفيروس، فهي بدورها تدفع، عبر نشر المعلومات والضغط على أصحاب القرار وتوجيه الرأي العام، في هذا الاتجاه أو ذلك، ولا تهمها لا الحقائق العلمية ولا الصحة العامة على المدى البعيد في شيء.
رابعا: تنافس الدول التي تقف وراء الشركات المنتجة للقاحات (روسيا، الصين، أمريكا، ألمانيا، بريطانيا، السويد، إيران، الهند،…): حيث أدى هذا التنافس إلى تضليل الرأي العام. شكك الغرب في اللقاح الروسي وتجاهلته منظمة الصحة العالمية! لم تشتر أي دولة أوروبية اللقاح الصيني، الذي تمت شيطنته ("اللقاح الحامل للرقاقات الإلكترونية كما قال البعض! بُوووعْ)! تم اعتبار اللقاح الألماني–الأمريكي بمثابة خطر محتمل على المورثات البشرية (الصبغيات)! ووُضعت الضرائب الجمركية من قِبل الاتحاد الأوروبي على اللقاح البريطاني بعد أن أصبحت هذه الأخيرة خارج الاتحاد! وتُركت الهند ذات المليار نسمة ونيف تصارع الوباء والفقر (وهو وباء مُفقر فعلا) إلى أن اختارتها بريطانيا كمعمل لتصنيع لقاح أسترازينيكا–أوكسفور! وحوصرت إيران حتى من المستلزمات الطبية، ما دفعها إلى تجريب لقاح خاص بها (لم يجتز بعدُ المرحلة السريرية)، ولا شك سيجري التشكيك في جودته هو الآخر! هكذا تحول إنتاج اللقاح إلى لعبة أمم تُخفي أكثر مما تُظهر: تُخفي الصراع والجشع والتنافس المَرضي واللاتضامن العالمي، وتُظهر خطابات سياسية في قالب علمي!
خامسا: تيه الصحافة: يبدو أن العمل الإعلامي، قبل كوفيد-19 ومعه، دخل منعطفا خطيرا، يهدد مصيره ويُنبئ بتغيير جذري في طبيعته. فالصحفيون –على حد قول ديديي راوولت– "أمسوا يتسابقون في نشر المعطيات التي تستقطب القراء والمشاهدين، يوما بيوم، وما عاد همهم نشر المعطيات التي تحمل صفة الدوام". وفعلا، ها نحن نعاين الإعلام وهو بصدد خلق "حقائقه الخاصة" المنبثقة عن تصور للواقع تستوجبه ربحية المؤسسة الإعلامية (انقلبت السرديات رأسا؛ فما عاد الخبر مقدسا ولا الصحافة مهنة متاعب: جلس في مكتبك واختر من هذا الموقع أو ذاك مادة مثيرة، واستهدف رفع عدد المشاهدين وعلامات الإعجاب والتقاسم. هذا كل شيء.. وها أنت حققت النجاح (نجاحك الخاص)!).
لكل هذا، سيكون التحدي كبيرا قبل أن يتخذ كل واحد منا موقفا بشأن فعالية وأمان اللقاح، أو يتخذ قرارا بشأن تلقِّيه التطعيم أم لا، خاصة بالنسبة لمن لم يحسم أمره بعد، وهم كثيرون على أي حال.
* * *
المنعطف الكبير: التطعيم؛ الأرباح؛ الخداع؛ الفقر!
لا تعكس الوفرة الحالية للمعلومة حالة من اليقين، وإنما حالة من الحيرة. فالمعلومة قد تنطق بالحقيقة، كما قد تنطق بالزيف أو الجنون أو التفاهة أو الضياع أو الخداع. المعلومات المتوفرة بشأن لقاح فيروس كورونا مثَلٌ واضح بهذا الشأن. فالأمر صار أكبر من مجرد موقف محدد من اللقاح [مع (سآخذ اللقاح)/ضد (لن آخذ اللقاح)].
وفي الواقع، إن هذا الانحراف ليس وليد اليوم، وإنما هو سليل منعطفات مثيرة في سيرورة انتشار الفيروس، بدأت بالتسييس (فكرة "الفيروس المصنَّع" و"الفيروس الصيني" وَ"المؤامرة"، وَوَ) ووصلت إلى اقتصاديات اللقاح (من سينتج أولا؟ من سيبيع أكثر؟ من لديه المال ليشتري؟ من سيُجيد التفاوض؟ من سيؤدي فاتورات بثمن أعلى؟).
والظاهر أن هذا الانحراف ساهمت فيه أطراف عدة، دوليا ووطنيا، من ترامب (تتذكرون التعبير السياسي: "الفيروس الصيني")، إلى منظمة الصحة العالمية (يمكنك، مثلا، ملاحظة التسويق الذي تقوم به المنظمة لبعض اللقاحات (أوروبية بخاصة) دون غيرها)،..إلى سوء تواصل الحكومات مع المواطنين.
فماهي بعض الدروس والأفكار التي يمكن أن ننتهي إليها في هذا الجو من الأخذ والرد، الطرح والطرح والمضاد، الحقيقة والوهم، سلطة صانع القرار وفرص شركات صناعة الأدوية، وَفرةُ اللقاح لدى الدول الثرية ونقصه لدى الفقيرة،…
* اللقاح: إذا كانت هناك أكثر من دراسة تستطيع أن تقنعك بأن اللقاح فعال، فيستحيل عليها، فيما يخص المدى البعيد، أن تقدم لك جوابا حاسما بشأن كونه آمنا أو غير آمن. بل حتى فعاليته على المدى البعيد، لا توجد أي دراسة تستطيع الحسم بشأنها. والخلاصة: إن التطعيم باللقاح، الآن، هو بمثابة عملية قمار تستحق المجازفة (بالنسبة للمسنين على الأقل).
نفس هذا الرأي سيقوله لك أحد أهم الخبراء المشتغلين في الميدان ديديي راوولت: «إن منافع اللقاح أكثر من أضراره، بالنسبة للأشخاص المعرضين لمخاطر كبيرة» (المسنون [75 سنة فما فوق بدرجة خاصة] والمرضى بأمراض مزمنة، تنفسية بخاصة).
* الحقيقة: خطر الفيروس حقيقي، واللقاح لن يُظهر حقيقته كاملة إلا بعد حين. التلاعب بالعقول قائم، واستضعاف الحقيقة أصبح حقيقة هو الآخر. أما الرأسمال الضخم فلن يتردد في المتاجرة في هذا وذاك، في الداء والدواء، في الحقيقة والكذب، في البيئة والإنسان، في الأفراح والأتراح، في فترات الرفاه وفي الأزمات.
* قوة الطبيعة وترنح العلم: شكل الفيروس إحراجا كبيرا للعلم. والمثير أكثر، هو أنه حتى اللقاح نفسه يشكل إحراجا جديدا له؛ فالطفرات المتسارعة للفيروس هي الآن تكاد تُجلس اللقاح على ركبتيه (وهي قد أجلسته فعلا في جنوب إفريقيا، التي أوقفت برنامجها للتطعيم بلقاح أسترازينيكا–أوكسفور؛ بسبب عدم فعاليته ضد السلالة المنتشرة هنالك). نعم، اللقاح يولد مناعة للمطَعمين، ويمكن أن يوفر، مع الوقت، مناعة جماعية، لكن لم يثبُت بعد أنه يضمن مناعة دائمة (أكثر من 6 أشهر؟ سنة؟ أكثر؟ لا أحد يعلم!)، كما أنه لم يُوزَّع بالتساوي ولن يكون متاحا للجميع، على الأقل خلال السنة الحالية. كما أن طفرات الفيروس ذاتها تضعف من فكرة "اللقاح–الحل" كل حين: مازال العلم يعجز أمام تحدي الطبيعة، وهو يسارع الخطوات خلفها ويلهث. أما "الأيديلوجية العلموية"، فقد بدت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أقرب إلى الجهل والخداع والمصالح منها إلى الحقيقة وخدمة الإنسان [هذا، مع أن النظر العلمي يبقى أحد الركائز الرئيسة لفهمنا ما يجري وما يتعين فعله– لكنه لا يكفي وحده].
* الأرباح: يأخذنا هذا النقاش بشأن العلم، إلى موضوع الأرباح. إذ أنه باكرا جدا، بدا لشركات صناعة الأدوية العملاقة أننا أمام فرصة تاريخية لتحقيق أرباح خيالية في حالة التمكن من ابتكار عقار أو لقاح للفيروس (زيادة، طبعا، على المجد الذي يمكن أن يتحقق في حالة السبق). وهذا ما حصل فعلا: بعض الشركات من السابقين يحصد الأرباح الآن، بينما المتأخرون مازالوا يحسبون حجم النفقات (أو الخسائر، كما يرونها عمليا!). والمثير في سوق الدواء واللقاح، ليس احتكار الدول الثرية للجرعات (كندا، عقد صفقات باقتناء جرعات تقدر بخمس مرات أكثر مما يحتاجه سكانها!!!) فحسب، بل هذا التوجه الحثيث نحو حصر الأرباح الكبيرة على حساب سكان الأرض في ظل أسوء أزمة صحية واقتصادية يعيشها العالم. بل إن بعض هذه الشركات لم يحقق الأرباح جراء تقديمه لخدمات كبرى لصحة المرضى، بل جراء التدليس والإصرار على الكذب. ولعل المثل الأبرز هنا، الشركة الأمريكية «جلعاد للعلوم» (Gilead Sciences) المنتجة لعقار «ريمديسيڨير/Remdesivir»، والتي حققت، حتى الآن، ما يقارب مليار دولار من الأرباح وارتفاعا مهما في قيمة أسهمها لدى البورصة [وبمقارنة تكلفته مع ثمن بيعه، نجد 5 دولارات مقابل 390 دولارا!!! يا للعار]، هذا بالرغم من النفي المبكر لأكثر من دراسة لقدرة هذا الدواء على علاج المصابين بالفيروس وبيانها لبعض آثاره الجانبية الخطيرة، وكشفُ بعضها لدوره في تغيير أحماضا أمينية في سلسلة الحمض النووي للفيروس، وبالتالي، تسببه في حدوث طفرات لهذا الأخير (في فرنسا، تطالب بعض الجهات بفتح تحقيق رسمي بشأن الاستمرار في استعمال هذا الدواء في البروتوكولات العلاجية رغم التحذيرات!). هذا بالإضافة إلى الأرباح التي حققتها شركات أخرى، صينية وهندية وأوروبية، بالرغم من إدخالها إلى السوق مستلزمات طبية تتضمن الكثير من عيوب الجودة والفعالية (أجهزة اختبار الإصابة غير دقيقة، وسائل تعقيم لا تحقق التعقيم المطلوب، أجهزة تنفس اصطناعي مزورة،…). فعلى سبيل المثال، كان هامش خطأ بعض أجهزة الاختبارات مهما، حيث وصل في بعض الحالات إلى 30%! وأكثر من هذا، والمضحك حقيقة، هو أن بعض أدوات الاختبار كانت تسجل على عدادها أن المشروب الغازي "كوكاكولا" مصابا بالفيروس (نتيجة إيجابية)!!! [نعم، اضحك ملء رئتيك!].
* ضعف التضامن العالمي: لا حديث عن تضامن حقيقي بين الدول التي تُصنع اللقاح وتملك المال لشرائه من جانب، والدول التي تواجه الخطر بأعين جاحظة من جانب آخر. ازداد سعار الصفقات بين من يبيع اللقاح ومن يتطلع إلى استثماره سياسيا وانتخابيا ويملك المال لذلك، بينما جرى تجاهل من يحاول حماية المصابين في بلده ولا يملك المال الكافي لذلك. في 5 فبراير، صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، ب«أن أكثر من 75% من اللقاحات موجودة في 10 دول فقط وأن حوالي 130 دولة يقطن بها 2.5 مليار شخص لم تعط بعد أي جرعة من اللقاح لسكانها»!!! وقبل أسابيع من هذا التاريخ، كان مدير «المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» قد نبه إلى خطر مرتقب، معلنا أنه ما يقارب 2.3 مليون مواطن إفريقي موزعين على 45 بلدا إفريقيا يواجهون شبح الموت في كل لحظة؛ وذلك بسبب احتكار دول قليلة لمعظم كميات اللقاح بالرغم من أن الجائحة عالمية، وتحتاج أن يتم التعاطي معها وحلها عالميا أيضا.
* الوعي: لعل النقاش حول الفيروس والتطعيم وسوق اللقاحات، منحونا زوايا جديدة لإدراك الحياة والموت، لفهم مركز الدول في شبكة العلاقات الدولية، لتحديد مركز القيم في العالم، لفهم أهمية العلم ونسبيته في آن، وللوقوف على الدرجة الكبيرة التي وصلها الاعتماد المتبادل بين الأمم، وبدرجة أكبر لفهم العجز الملاحظ على مستوى التنظيم الدولي وأدوات التضامن الدولي.
كل المؤشرات بشأن الأزمات والاقتصاد العالميين (الهجرة، الحروب، التلوث، الجائحة، النزاعات الداخلية والبين–دولية ذات الخلفية الهوياتية، الفقر،…) توحي بأن هذا الاعتماد المتبادل الذي وصلته علاقات الدول والسرعة في التواصل والاتجار والتبادل بين أقطاره، لم يواكبه تطوير بنيات دولية لتأطير هذه التحولات بالصورة التي تحد/تخفف من الصراعات والنزاعات والمشاكل المرافقة له، وتنسق سبل مواجهة بعض الأزمات العابرة للحدود (يمكنك تأمل خطابات أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وتعبيرها عن الخيبة بهذا الشأن).
في عز أزمة الجائحة، يخبرنا البنك الدولي وخبراء الاقتصاد وبعض المنظمات الدولية المهتمة بالفقر والمساواة (كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة أوكسفام)، أن جهود محاربة الفقر ستعرف انتكاسة مهمة. وهو ما قد يدفع بمئات الملايين من الأشخاص حول العالم إلى خانة الفقر أو تدني مستويات دخلهم بصورة أو بأخرى (هذا دون الحديث عن باقي المشاكل الاجتماعية القائمة والمتوقعة، في العمل والتعليم والصحة، إلخ)، هذا في وقت يُسجَّل فيه تزايد في عدد مليارديرات العالم وفي حجم ثرواتهم (خاصة في قطاعي التكنلوجيا والصناعات الدوائية)!
وقد انتهت منظمة أوكسفام إلى استنتاج مهم بهذا الشأن، مفاده أن "فرض ضريبة مؤقتة على الأرباح الزائدة التي حققتها 32 شركة عالمية خلال فترة الوباء، كانت لتساهم في جمع 104 مليار دولار عام 2020، وهو مبلغ كاف لتوفير إعانات بطالة لجميع العمال في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، إضافة إلى الدعم المالي للأطفال وكبار السن".
وهذا بالطبع ما لم يتم عمليا. حيث جرى فرض الضرائب بصورة مغايرة تماما لما تقتضيه الأزمة وشروط مواجهتها.

نعم، العالم يتعافى، لكنه ليس بخير!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.