خلال اليوم الثاني من رمضان المبارك، ومباشرة بعد الافطار اضطررت الى سحب أطفالي الى غرفة مجاورة من المنزل بعد مشهد خنق ممثلة لممثلة حتى الموت بث على القناة الثانية المغربية. وقبل هذا الفيلم بثت الدوزيم نفسها "سيتكوم" تضمن مشهدا وصفت فيه ممثلة ممثلة ب"الحمارة" عندما سخرت من غنائها وعيرتها بآية قرآنية " إن أنكر الأصوات لصوت…." لم تكمل الممثلة الآية الكريمة، واستعاضت عنها بضحكة صفراء، ولكننا أكملناها، والمشاهدين، وظهر المعنى. هذا ليس غريبا على السياسية التحريرية للقناة الثانية التي لم تحترم أخلاقيات مهنة الصحافة ببثها لمشاهد الرعب في فترات ذروة المشاهدة، علما أن جميع الأسر المغربية محجوزة في منازلها وأمام التلفاز الذي ليس لها فكاك منه، ولا خيار امام ضعط الأطفال وعشاق وعاشقات الدراما سوى ثلاثي مثلث بيرمودا: القناة الأولى،القناة الثانية، ميدي1 tv. وأحلاها مر. دون الحديث عن القنوات الأخرى. ولا يمكن لنا أن ننتظر 30 سنة أخرى لكي نصل الى مستوى الدراما المصرية والسوريه، كما طلب الفنان محمد الشوبي، مبررا ضعف مستوى الدراما المغربية. وإذا قلنا مع المربين والتربويين: " يجب بث برامج إذاعية وتلفزية تحترم حقوق الأطفال الفضلى قبل الكبار خصوصا في فترة الذروة". صار كلامنا كلاما معادا كما قال صلاح الوديع شاعرا. والمطلوب هو محاسبة سلسلة المسؤولين عن هذه الرداءة والتفاهة الزاحفتين بلاهوادة على الإعلام العمومي. النموذج الاقتصادي لقناة دوزيم هو مبرر التفاهات التي تبثها –حسب تصريحات سابقة لفيصل العرايشي مدير شركة القطب العمومي-. وهذا النموذج الإقتصادي يخضع شبكة البرامج لمتطلبات شركات الإشهار. والبحث عن الجمهور الذي يجري وراء الترفيه التافه، للذلك نجد شبكة البرامج تلهث وراء المسلسلات التركيه المدبلجة الى دارجة سمجة تثير التقزز. وقد فوجئت شخصيا بان قناة دوزيم عينها، وفي اليوم الأول من شهر رمضان تعيد بث مسلسل من مسلسلات الخردة التركية منذ الساعات الاولى للصباح. ولا يكاد مسلسل المسلسلات التركية ينهي حلقة من حلقاته، حتى يرفع آذان المغرب. علما ان المسلسلات إياها ضعيفة فنيا وسيناريوهاتها بسيطة، وتتضمن مشاهد تشيع قيم العنف ضد النساء (لدرجة وأد الفتيات وقتلهن بسبب "الحب الممنوع" في" زمن الضياع" )والاعتداء على الاطفال، علاوة على مشاهد العنف والترويع والقتل بالرصاص ونشر ثقافة الخيانة والنصب والاحتيال…وأجمل ما في هذه المسلسلات فضاءات التصوير والديكور، التي تقدم المدن التركية أنقرة وإسطنبول وإزمير وغيرها ،كأنها جنة فردوس فوق الأرض: فالعاطل عن العمل يرتدي سترات تشبه سترات الرئيس ويركب سيارة رباعية الدفع، ويتبضع في أسواق المساحات الكبرى. لذلك ارتفعت نسبة السياح المغاربة باطراد الى تركيا منذ بدء بث هذه المسلسلات منذ عقد ونيف، مستغلين غياب التأشيرة بين للمغرب وتركيا. كما أن المحلات التجاريه التركية غزت أحياء المدن المغربية وامتدت مؤخرا الى الأحياء الشعبية. وتطول لائحة هذه المسلسلات التي تبث مئات الحلقات على مدى العقد الماضي، ومنها من تجاوز خمس سنوات من البث، ويكفي أن نلقي نظرة على لائحة أسماء تلاميذ التعليم الأولي و القسم الأول والثاني ابتدائي حتى تجد أسماء شخصيات الممثلين و الممثلات الأتراك حاضرة بقوة. ونذكر من هذه المسلسلات الماراطونية: "خلود", "ماتنسانيش"، "العشق الممنوع"، "فاطمة"، "حريم السلطان"، "نور"، "عاصي"، "سنوات الضياع"، "ويبقى الحب"، "بائعة الورد"، "وتمضي الأيام"، "نساء حائرات"….الخ والغريب في الحكاية أن قنوات القطب العمومي خصوصا شركة صورياد /قناة دوزيم مفلسة ماليا ونوذجها الإقتصادي فاشل وبرامجها باتت مرهونة بيد المستشهرين. لقد ضيع مسؤولوا الإعلام العمومي ببلادنا القيم النبيلة ولم تأت برامجهم بالأموال والأرباح لسد عجز مالي مزمن… ولا ينقذ هذه القنوات سوى الصبيب المالي القادم من أموال الشعب المسمى الخزينة العامة للدولة. والخاسر الأكبر هو منظومة القيم التي ازدادت تدهورا على تدهور. وبالتالي فتلفزات مثلث برمودا وإذاعاتها حمل ثقيل على ميزانية الدولة، حمل ثقيل على الشعب المغربي. للأسف..لقد وصل التافهون الى السلطة…كما قال الفيلسوف الكندي المعاصر ألان دونو Alain Deneault في كتابه نظام التفاهة La médiocratie .