اللغة العربية يتيمة برحيل الشاعر العربي الكبير سعدي يوسف.. حياة حافلة بالتمرد ورفض الظلم والإستبداد، شاعر طوع اللغة العربية لخدمة قضايا شعرية نبيلة مبتدؤها الإنسان وخبرها الإنسان. شاعر ظل مشردا في المنافي بحثا عن أفق لاستنشاق هواء الحرية التي افتقدها في بلاد الرافدين. شاعر من آخر فرسان الشعر العربي الحديث خلال العقود الخمسة الماضية. سيبقى أدونيس يتيما بعد رحيل سعدي يوسف وانضمامه الى قافلة الراحلين للكبار: نزار قباني ومحمود درويش وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي ومريد البرغوتي.. ***** سعدي يوسف، شاعر الحروب الفكرية والسياسية بالعراق التي خاضها ضد مختلف أنظمة حكم بلاده من الخمسينات الى اليوم. وكم كانت طاحنة هذه الحروب في مواجهة رفاقه الشيوعيين..وعنون ديوانا له ب" الشيوعي الأخير يدخل الجنة" تأريخا لهذه المشاعر الحزينة. عاش سعدي يوسف حياة صاخبة بالألم والإحباط ونذر حياته لخدمة القضية التي يؤمن بها الى حد الموت، قضية العدالة والحرية. لم يعرف الاستقرار الا في العقدين الأخيرين بعد اختياره لندن كمنفى أخير وحصوله على الجنسية البريطانية التي وفرت له حدا أدنى من الإستقرار. والإستعداد بهدوء لنهايته البيولوجية. طيلة ثلاثين سنة وأنا أترصد بشغف طفولي كتاباته وتعليقاته وأشعاره الموغلة في السريالية والتجريدية والسخرية من تفاصيل الحياة الصغيرة والتافهة والتي حولها بحذقه ونزق لغته الصافية الى لوحات شعرية رائعة مثيرة للدهشة ورفض الجاهز والعصيان على كل أشكال التنميط والترسيمات والسنن والأعراف والتقاليد البالية. وكذا المواضعات والترتيبات. سعدي يوسف شاعر ثوري لم تسلم نفسه وجسده من تمرده وجبروته..ورغم مظالم الشيخوخة وذاكرة العصيان لم تهدأ روحه عن التمرد والمقاومة والدعوة الى الحياة..لكن السرطان داهمه في أرذل العمر وأتعبه الألم وحيدا في منزل لندني من أقصى المدينة. وقاومه بإباء وشهامة الى آخر رمق. وكتب نصوصا تقطر ألما وكأن حبرها من صديده. ولم تلتفت اليه حكومة بلاده الأصلية الا بعد أن نال منه المرض مناله اللعين. سيبقى سعدي يوسف(البصرة1934-لندن2021) منارة شعرية كبيرة في الثقافة العربية الحديثة ستذكره الأجيال القادمة بفخر واعتزاز. مختارات من شعر سعدي يوسف: قصيدة: نظرة جانبية "حين تنظرُ عبرَ الزجاجِ المواربِ نظرتَكَ الجانبيةَ تبصر أن الغيومَ ارتدتْ ورقاً من غصونٍ زجاجيّةٍ ... هل تمادى الرذاذُ على مَسكن النملِ؟ هل هجستْ سلّةُ الزهرِ سنجابَها يترجّحُ؟ هل كنتُ أهذي بأسماءِ مَن رحلتْ أمسِ تاركةً مخدعي بارداً يتنفّسُ؟ كان القطارْ مسرعاً بين قُصوى محطّاتهِ والمطار ... انتبهتُ إلى أنني لم أكن في دمشقَ؛ ولا أنا في القاهرةْ ' وانتبهتُ إلى أن أمطارَ آبٍ حقيقيّةٌ مثلَ ما أنني جالسٌ لِصقَ نافذةٍ ... أسمعُ الآنَ صوتَ الرذاذِ الذي صار في لحظةٍ مطراً أسمعُ الطائراتِ ... الصواريخُ تنقضُّ إني أُقِيمُ الصّلاة".