(على هامش مآلات المشاركة الانتخابية لبعض الإسلاميين) مقدمة من حوار افتراضي "تقول له لماذا شاركت في الانتخابات في غياب دستور ديمقراطي بصلاحيات كاملة للبرلمان وللحكومة؟، يجيبك لاخيار لنا فإما المشاركة الانتخابية وإما الثورة (ضيق الخيارات)، ثم يشارك في الانتخابات ويحوز على أغلبية عرجاء تنجم عنها حكومة عرجاء، فتسأله لماذا ستشارك بحكومة عرجاء لاتضمن من خلالها تطبيق برنامجك الانتخابي؟، يجيبك لاخيار لنا إما المشاركة في الحكومة وإما البقاء في المعارضة البرلمانية التي لن تفيد شيئا ونحن قد التزمنا مع الشعب، ثم يشارك في الحكومة ويلقى العراقيل ويبدأ بالشكوى عن وجود عراقيل وقوى خفية تشوش على الإصلاح الذي نريده، تسأله ولماذا البقاء في هذه الحكومة؟، أعلنوا انسحابكم وتواضحوا مع الشعب، يجيبك لاخيار لنا سوى الاستمرار وإلا سينقض على الحكومة المفسدون من جديد، ثم يفاجأ بانسحاب طرف سياسي في الحكومة مما أفقدها أغلبيتها، فتقول له توجه إلى انتخابات مبكرة لاستعادة الثقة من جديد من الشعب، يقول لك لا خيار لنا سوى البحث عن تحالفات جديدة أما الانتخابات المبكرة فهي مكلفة ومضيعة للجهد والوقت، ثم يبدأ في مشاورات مع أطراف قد قيل في قياداتها ما لم يقله مالك في الخمر، فتسأله لماذا اخترت هذا الطرف الذي كنت تعتبره خصما لذودا يستحيل العمل معه؟، يجيبك هذه هي السياسة ثم يستدعي مقولة التدافع ليعزز به أطروحته أن لاخيار لنا سوى التدافع الحكومي لضمان استمرار مسلسل الإصلاح الذي بدأناه، ويستمر خطاب لاخيار لنا حتى إذا أدخلوه جحر ضب قال لا خيار لي سوى اتباعهم، فلايبقى من الإصلاح إلا حروف كلماته". بين موازنات التبرير والضيق وموازنات الوسع و التحرير 1. كثيرا ما يتم النظر إلى الموازنات بين المصالح بعضها البعض، أو المفاسد بعضها البعض، أو المصالح والمفاسد، على أساس واقع الحال دون النظر إلى مآلات هذه الموازنات مستقبلا، ومناسبة هذا الكلام هو ما تفضي إليه "اجتهادات" بعض "الإسلاميين" في مجال السياسة الشرعية وتدبير الشأن العام، حيث يظل الوضع العام في غالب الأحيان مستقرا في بنيته على ما كان عليه، دون إحداث تحول نوعي فيها بالرغم من اعتمال هذه البنية تغيرات فرعية لا تمس أساساتها؛ 2. إن الصورة هي كمثل ذلك الماء الراكد، الذي تعتمل داخله حركات دائبة لكائناته الحية، لكنه يظل راكدا في مجمله بحسب النظر الخارجي له؛ 3. يعلمنا فقيهنا الشاطبي رحمه الله إلى أن عنصري اعتبار الحال كما اعتبار المآل أساسان لموازانات راشدة في تقويم شر المفاسد وأعظم المصالح؛ 4. ذلك أن النظر إلى الحال دون المآل، يؤدي بالنتيجة إلى استدعاء مفهوم معين للاضطرار وللضرورة،ويفضي إلى تأبيد البقاء على واقع الحال، دون إحداث تغييرات نوعية في بنيته نحو المنشود رجحانا لمصالح أعظم على مفاسد عظيمة؛ 5. إن النظر إلى المآل باستحضار واقع الحال يفضي بالتبع إلى الالتزام بتوجيهين ضامنين لموازنات راشدة؛ وأما الأول فهو الحرص على دفع ما تبقى من مفاسد الحال؛ وأما التوجيه الثاني فهو العمل على استكمال ما تبقى من تثبيت مصالح شرعية معتبرة غائبة للإنسان وللمجتمع وللهوية وللتاريخ وللكرامة وللحرية وللتعاقد وللنهضة وللتنمية ولتبوئ البلد مكانة معتبرة في ساحة التقرير عالميا؛ 6. إن الذي ابتغى الضيق كان له ماأراد، والذي اختار أن يختار في الضيق كان له ماأراد، والذي اختار ان يختار في ضيق الضيق كان له ماأراد، هو ذا مآل من ضيق ماوسعه الله، عافانا الله جميعا من الضيق في الخيارات… خلاصتين تأسيسيتين 1- إن استدعاء الموازنات بمنطق "ليس في الإمكان أفضل مما هو كائن" ينتج منهجا تبريريا منغلقا، بينما استدعاؤها بمنطق التجاوز ينتج منهجا تحريريا واسعا في آفاقه؛ 2- إن اجتهاد الوسع يحرر، أما اجتهاد الضيق يستعبد ويأسر صاحبه في ضيق الخيارات.