في العالم العربي الإسلامي، مشهدان يتكرران منذ ما يقرب من قرن من الزمان بنفس الديكور ونفس الممثلين ونفس الجمهور المكون من كثلة الأتباع والمتابعين والتابعين المصابين بالزهايمر لا يتذكرون ما جرى في الماضي وما يجري الآن في الحاضر مما جرى في الماضي، ويصفقون بحرارة لفرقة الكوميديين في كلا المشهدين. المشهد الأول.. من على المنابر وجوقة ′′الخطباء′′ و′′الفقهاء′′ و′′العلماء′′…إلخ، أو عبر القنوات الفضائية أو الافتراضية أو مواقع التواصل الاجتماعي…من ′′الدعاة′′ و′′القراء′′ و′′المحدثين′′ و′′المفسرين′′ و′′الوعاظ′′ و′′المفتين′′…يقصفون المتتبعين البسطاء بقال الله وقال الرسول صباح مساء وليل نهار لا يتوقفون ولا يفترون..يطوون التاريخ كطي السجل للكتاب ويقفزون أربعة عشر قرنا إلى الوراء في تحد صارخ لقوانين علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا وباقي العلوم الإنسانية الأخرى..يرددون كالببغوات نفس المقاطع التي يحفظونها عن ظهر قلب وكأنهم تلامذة الابتدائي يتلون نصوص قراءتهم الأولى على معلمهم الخفي وراء ستارة الركن الخلفي من الفصل الدراسي. ديدنهم الإخلاص والصواب في العمل وعليه مدار كل ما يدور في جماجمهم العظمية رغم أن الواقع شيء آخر ولا علاقة له بما يمور في رؤوسهم. لذا ولكي يقفز الآخرون قفزتهم الهائلة في الزمن..أي 14 قرنا إلى الوراء..فما عليهم سوى أن يسافروا بدورهم بعقولهم في الزمن إلى الوراء ويقطعوا 14 قرنا كما في آلة الزمن وأفلام الخيال العلمي.. ولا ضير بعد ذلك أن تبقى أرجلهم في أوحال الواقع البئيس الذي لا يرتفع. بمعنى آخر، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولكي تكون أنت أيها المسلم المعاصر خير خلف لخير سلف فما عليك سوى السفر في الزمن واستحضار النية اللازمة لذلك. ملاحظة في غاية الأهمية: قد تفيدك أيها المسلم المعاصر بعض المعطيات العلمية من فيزياء الكون أو النظرية النسبية لأنشتاين. أما وإن استعصت عليك هذه القوانين العلمية فما عليك إلا الاستزادة من علم ′′علماء′′ الإعجاز العلمي في القرآن ليخفف عنك قليلا من وطأة هذا السفر ويطوي عنك بعده ويدفع عنك سوء المنقلب في الأهل والمال والولد. (راجع لمزيد من الإيضاح مقالنا في نفس الاتجاه ′′قرآن على المقاس′′ بالموقع بتاريخ 28 نونبر 2019 ) المشهد الثاني.. ممن يعتبرون أنفسهم من الحداثيين أو التقدميين أو الديموقراطيين أو المتنورين أو العقلانيين أو العلمانيين…ممن يقيمون الدنيا ويقعدونها من أجل فواصل فكرية E.Cioran وقضايا هامشية معلبة ومستوردة وإسقاطات لا تاريخية les anachronismes وانحرافات في الألفاظ والمعاني les glissements sémantiques…يقفزون قرونا إلى الأمام..إلى المستقبل الذي لا يملكونه بل يملكه غيرهم. لكن..وبما أن الواقع البئيس هو هو لا يرتفع، فهم بدورهم يشيدون صروحهم على الماضي..وعلى كل من أدار وجهته نحو الماضي..وكل من يهرب من الحاضر إلى الماضي..وكل من يبحث عن المستقبل في الماضي..وكل من لا حاضر له ولا مستقبل. والمحصلة النهائية لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل ولا هم يحزنون. ملاحظة ثانية في غاية الأهمية لكل من يود اتباع أهل المستقبل: لا تهتم كثيرا بقدميك الغارقتين في الأوساخ والوحل..حلق بعقلك عاليا في السماء..تخيل الحياة من المستقبل..نافح بقوة عن أفعال المضارع..لا ترحم أفعال الماضي..ومن يصرفون الأفعال إلى الماضي لا إلى المضارع..تعلق بشدة بما سيأتي..وناضل من أجل أن يأتي على أنقاض الماضي..وأهل الماضي..وكل من يصرف الأفعال إلى الماضي. (راجع مقالنا في نفس الموضوع ′′إسلام الاستجمام′′ بالموقع بتاريخ 23 ماي 2019 ) في الختام، لا مناص من طرح السؤال التالي : – من سيقيم صرح الحاضر؟ ومن يستفيد حقيقة من معارك سكان الماضي وأهل المستقبل؟