ابن كيران يهاجم "حكومة الكفاءات": وزراؤها لا يعرفهم أحد    استخدام الرقمنة لتقاسم الأنشطة التربوية بالمؤسسات التعليمية محور لقاء بأكادير    الأمين بوخبزة في ذمة الله .. خسارة للحركة الإسلامية والعمل التطوعي بالمغرب    هذه مستجدات إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كمية الصيد المتوسطي تتقلص بالمغرب    مجازر جهوية جديدة للرباط بطاقة استيعابية تبلغ 30 ألف طن سنويا    صعود أسعار النفط بالتعاملات الأسيوية    الحصيلة الإجمالية للقتلى ترتفع في غزة    إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024 من مدينة أولمبيا اليونانية    الدكيك: ملي كنقول على شي ماتش صعيب راه ما كنزيدش فيه والدومي فينال مهم حيث مؤهل للمونديال.. وحنا فال الخير على المنتخبات المغربية    سانشيز: سننظم كأس عالم ناجحة لأننا مجتمعات تعشق كرة القدم    تأجيل مباراة العين والهلال بسبب سوء الأحوال الجوية بالإمارات    تأجيل جلسة تقديم حصيلة الحكومة في البرلمان    بودريقة يوضح أسباب استبعاده من مكتب مجلس النواب    توقيف ثلاثة أشخاص في فاس بتهمة ترويج الأقراص الطبية المخدرة    الإعلان عن مواعيد امتحانات الباكالوريا وهذه التدابير الجديدة    دراسة: الشعور بالوحدة قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع التراجع    كيف يمكن أن تساعد القهوة في إنقاص الوزن؟: نصائح لشرب القهوة المُساعدة على إنقاص الوزن    البيجيدي ينتقد تعديل مرسوم حكومي لتوفير تمويلات لجماعة أكادير التي يرأسها أخنوش    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    الرابطة المغربية السويسرية تعقد جمعها العام الثاني بلوزان    عدد العاملات المغربيات في حقول الفراولة الاسبانية يسجل ارتفاعا    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    المغرب يدكّ مرمى زامبيا ب13 هدفا دون رد في أمم إفريقيا للصالات    انتخاب محمد شوكي رئيساً لفريق "الأحرار" بمجلس النواب    الجزائر تغالط العالم بصورة قفطان مغربي .. والرباط تدخل على خط اللصوصية    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    العالم يشهد "ابيضاض المرجان" بسبب ارتفاع درجات الحرارة    توقعات الطقس بالمغرب اليوم الثلاثاء    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    توقيف عضو في "العدل والإحسان" بمدينة أزمور مناهض للتطبيع مع إسرائيل (فيديو)    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    بعد دعم بروكسيل لمبادرة الحكم الذاتي.. العلاقات المغربية البلجيكية تدخل مرحلة جديدة    مسلم أفندييف مواطن أذربيجاني يتسلق أعلى قمة في المغرب    حماة المستهلك: الزيادة في أسعار خدمات المقاهي غير قانونية    بيدرو سانشيز: "كأس العالم 2030 ستحقق نجاحا كبيرا"    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    بعد خوصصتها.. وزارة الصحة تدعو لتسهيل ولوج أصحاب المستشفيات الجدد إلى عقاراتهم وممتلكاتهم    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات السعودية الأمريكية ،بين المصالح الوطنية و سيكولوجية الحكام
نشر في لكم يوم 02 - 11 - 2022

تتزايد التصريحات والتصريحات المضادة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية بعد قرار منظمة أوبك بلس تخفيض انتاج النفط بمليوني برميل يوميا ابتداء من الشهر المقبل .
كما ان ما اعتبرته السعودية قرارا اقتصاديا اتخذ بالإجماع من طرف المنظمة، بعد أن تداولت في شأنه لجنة فنية مشتركة للدول الأعضاء .وأنه لم يتخذ لغاية سياسية تستهدف الولايات المتحدة الامريكية، ولا ادارة جون بايدن، بل كان بهدف الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية .لم يكن ابدا مقنعا للإدارة الأمريكية التي رأت فيه تحاملا على مصالحها و انحيازا صريحا لروسيا التي تعمل على توظيف عائدات الطاقة لتمويل حربها ضد أوكرانيا.
لكن بالوقوف عند تداعيات هذا القرار وانعكاساته على العلاقات السعودية الأمريكية.
هل لا زال بالإمكان تصديق ما اعتبره الكثير من المهتمين بالعلاقات الدولية، أن هذا التوتر مجرد زوبعة عابرة في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين؟.
ام ان السجال الحاصل لا يوحي بذلك؟. خاصة بعد أن ارتفع منسوب هذا النزاع الى مستوى تهديد امريكا للسعودية باجراءات عقابية تروم الى مراجعة السياسات الدفاعية والأمنية الأمريكية ،وكذا فرض عقوبات على كيانات فردية ومؤسساتية، اما بدعوى خرقها للعقوبات المفروضة على روسيا والصين .أو بدعوى الدفاع عن ملفات الحقوق والحريات بالمملكة بعد أن تم وضعها في الرفوف من طرف الادارات الامريكية المتعاقبة ليتم استخدامها عند الحاجة للابتزاز الاقتصادي والسياسي.
هذا بالاضافة الى التهديد بمشروع قانون نوبك الذي يسمح بمقاضاة الدول والشركات الاجنبية امام المحاكم الامريكية! التي تعارض مصالحها الخاصة في مجال الطاقة والنفط. والمستهدف هنا اساسا المملكة العربية والسعودية والإمارات العربية المتحدة .
وكذلك بعد ان طورت المملكة شراكاتها الاقتصادية والتجارية مع كل من الصين وروسيا. وأبدت رغبتها في الانضمام الى مجموعة دول البريكس. ووافقت على استعمال العملات الوطنية في المعاملات التجارية مع شركائها بدل الدولار الأمريكي. وأعلنت عن انخراطها في المشروع الاقتصادي الضخم طريق الحرير الذي عملت الولايات المتحدة الأمريكية على افشاله منذ سنوات من خلال بث النزاعات في الدولة المعنية بهذا المشروع.
اوبعد أن ردت السعودية رسميا بعدم المبالات بالتصريحات الأمريكية مصرة على الطبيعة الاقتصادية للقرار.
وأنها غير معنية بالانتخابات الأمريكية المقبلة التي وصفتها بالشأن السياسي الداخلي للشعب الأمريكي .
بل و فندت الادعاءات الأمريكية في ما يخص تشكي بعض الممالك الخليجية لأمريكا من الضغوطات السعودية ،وذلك عبر بيان رسمي أصدرته هذه الدول تضامنا مع المملكة الذي استهجنت فيه كذلك ما ورد من تضليل على لسان المسؤولين الأمريكيين.
وبعد ان ذهبت الأنتلجنسيا السعودية والخليجية في ردودها الى درجة القول على لسان وزير الطاقة السعودي ما معناه انهم اضاعوا 40 سنة من الزمن دون ان يدروا باهمية مصالحهم الوطنية التي كان يجب وضعها فوق كل اعتبار . وأنهم لو اختاروا المنهج الصحيح في العلاقات الدولية والتنمية الوطنية واشتغلو وفق مشروع التنمية الصناعية الجديد لكانوا مثل الصين والهند حاليا .او القول بان امريكا والغرب الأوروبي هما قوتان مهيمنين على الشعوب ولا زالت تحكمهما العقلية الاستعمارية في علاقاتهما الدولية كما يقول الأستاذ محمد سرور الصبان كبير مستشاري وزير النفط السعودي السابق .
وأن هذه القوى بصدد الانحدار لصالح قوى أخرى صاعدة بقوة كالصين وروسيا في إشارة لنهاية الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية. وان ما يتم التهديد به قد بدأت المملكة في الترتيب له منذ 2016 بعدان أقر الكونغرس الأمريكي قانون "جاستا"أو "قانون محاربة رعاة الإرهاب ". وذلك بالعمل مع روسيا من أجل تأسيس أوبك بلس بعد الانخفاض الحاد لأسعار الطاقة نتيجة التلاعب بأسواق الطاقة العالمية ، بما يعنيه هذا القرار من بداية للتوجه شرقا كخيار استراتيجي ، عملت السعودية على بناؤه بشكل تدريجي ليصل إلى المستوى الحالي الذي تشهده علاقاتها مع كل من روسيا والصين بالاضافة الى الهند .
و أن ما يتم التهديد به من طرف أمريكا في ما يخص الأمن الدفاعي للسعودية يمكن تجاوزه لوجود بدائل أخرى لا تقل قوة و مستعدة لعقد شراكات دائمة تهم كل المجالات بما فيها الأمنية والدفاعية. شراكات قائمة على مبدأ رابح رابح في إطار الاحترام التام لسيادة الدول و قراراتها بما يتماشى ومقتضيات القانون الدولي والميثاق المؤسس لهيئة الأمم المتحدة .
إذن بعد كل هذه التطورات والوقائع في العلاقات السعودية الأمريكية لا يمكن الحديث عن عودة ممكنة لهذه العلاقة بشكلها التبعي الذي كانت عليه من قبل رغم ما ذهب إليه بعض المهتمين والمختصين بالسياسة الدولية من تشكيك في قدرة السعودية على فك الارتباط العضوي للملكة بأمريكا. مستندين إلى ما تمتلكه السعودية من أرصدة بالدولار في البنوك الأمريكية المهددة بالتجميد في اي لحظة، وهي بحوالي تريليون دولار. وكذا الى تحكم التكنولوجيا الأمريكية في جميع المفاصل الأمنية والدفاعية والاقتصادية للدولتين .وهما عاملين كفيلين بلجم السعودية عن أي توجه غير مرغوب فيه أمريكا. رغم ان الدولتين عبرتا ما من مرة خلال هذه الازمة على رغبتهما في الحفاظ على علاقاتهما المتميزة بامريكا ، شريطة احترام حقهما كدول ذات سيادة في بناء شراكات اقتصادية وتجارية متوازنة مع قوى اخرى صاعدة بقوة على المسرح الدولي .
لكن من خلال التجارب المريرة لكثير من الحكومات والدول التي سعت الى سن سياسات مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية ،التي تنظر دائما للعلاقات الدولية بمنظار الهيمنة والمصالح الذاتية، و هي بذلك لا ترى حرجا في الاستيلاء على الارصدة المالية للدول و فرض العقوبات على الشعوب والحكومات التي تصنفها معارضة وبالتالي مارقة.
فان العقلية البراغماتية في هذا النوع من العلاقات التي يطغى عليها الاستبداد والنظرة الدنيوية للاخر الذي عليه أن يبقى خاضعا لسيده، تقتضي فك الأغلال مهما تطلب الأمر من تضحيات خاصة عندما تكون البدائل متاحة. ولا اظن ان السعودية والكثير من الدول الاخرى في غفلة عن هذا الأمر.بل انها مدركة تماما أنها لن تسترجع يوما أصولها المالية المتواجدة في البنوك الأمريكية التي تبقيها هذه الاخيرة كسيف مسلط على رقابها . وأن هذه الأصول المالية لا شيء في مقابل استرداد حرية قراراتها السياسية والاقتصادية و التخلص من الإذلال الأمريكي المستمر .
هذا بالاضافة الى العقلية الثقافية لحكام وقبائل الجزيرة العربية التي لا تخلو من عقلية انتقامية حتى وان اظهروا الخضوع والولاء وتقبل الاهانات في مراحل ضعفهم . وهو ما يمكن استنتاجه في كيفية التخلص من بعض أشقائهم من رؤساء الدول العربية والمغاربية كالراحلين صدام حسين ومعمر القذافي ، عندما توفرت الفرصة لذلك انتقاما مما صدر من الرئيسين من كلام جارح في حقهم خلال بعض القمم العربية.
كل هذا يشير إلى أن التوتر الحالي ببن كل من السعودية والإمارات ليس زوبعة في فنجان. بل أن توجه هاتين الدولتين شرقا هو خيار براغماتي استراتيجي املته المصالح الوطنية اولا وقبل كل شيء ، لكنه كذلك يعكس الموروث الثقافي والسيكولوجي لقبائل الجزيرة العربية وحكامها الذين وإن أظهروا الإذعان وتقبلوا الاهانات في لحظات الضعف من جانب الادارات الامريكية المتعاقبة .إلا أنهم قد يردون الصاعة في أي فرصة تتوفر فيها بدائل أخرى وهو ما تتيحه الوضعية الدولية الحالية مع ظهور أقطاب اقتصادية و عسكرية قوية في الشرق تعتمد في شركاتها على مبدأ المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول و قراراتها السيادية.
ان ما يعزز هذا التوجه الوطني كذلك لدى النخب السياسية الجديدة في المملكة العربية السعودية والإمارات ، هو انتفاء الأسباب الأيديولوجية والسياسية لمرحلة الثنائية القطبية التي كانت فيها السعودية كدولة محافظة يسودها نظام حكم شمولي بحاجة ماسة للحماية الامريكية .و التي طالما وظفتها في مقابل ذلك لإنجاز وتمويل الكثير من اجنداتها عبر العالم بدعوى محاربة الإلحاد والشيوعية في أفغانستان ونيكاراغوا أولا. ولاحقا في مرحلة الأحادية القطبية والهيمنة الامريكية المطلقة ، من أجل نشر الفوضى الخلاقة في دول اعتبرتها أمريكا مارقة كالعراق و سوريا و ليبيا الخ…وهو الوضع الذي تغير الآن بعد أن ظهرت قوى عالمية جديدة تعتمد في سياساتها على اقتصاد السوق وذلك في احترام تام لسيادة الدول وأنظمتها السياسية .
إن اختزال هذه الأزمة اذن في الإطار السياسي والاقتصادي من طرف النخبة السياسية الحاكمة في أمريكا المتأثرة بثقافة الكاوبوي الأمريكي المتسيد والمستبد في علاقاته بالآخرين الذين عليهم واجب الإذعان والخنوع . يعد خطأ فادحا يظهر مدى عدم استيعاب النخبة السياسية الأمريكية للتحولات التي تشهدها العلاقات الدولية وكذا عدم إدراكها للخلفية الثقافية التي تتحكم في سيكولوجية حكام الخليج .
بالتالي فإن نهج سياسة التهديدات لا أظنه يثني الإمارات والسعودية على اختيارهما. بل عكس ذلك تماما قد يعملون على نسف كل ما تم مراكمته في علاقاتهم التاريخية بالولايات المتحدة الأمريكية في سبيل استرجاع حرية القرار السياسي والاقتصادي الذي يفتح آفاقا جديدة للنمو بالنسبة لهذه الدول ،خاصة بوجود خيارات اخرى قوية و مضمونة تتيحها الوضعية الدولية الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.