مسيرة الأحد المنصرم التي سبق وأن روج لها حزب الاستقلال، أو على الأقل جناح منه من المحسوبين على أمينهم العام، بأنها مسيرة غضب شعبي وطوفان جماهيري ضد الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، كانت المسيرة فرصة لإضاءة الكثير من تفاصيل العتمة في مشهدنا السياسي التراجيدي بتناقضاته وصراعاته التي تكشف في الكثير من الأحيان بؤس ثلة من السياسيين الممهد لموت السياسة في نفوس الناس، لكنها وفي المقابل أكدت بالملموس أن الشعب المغربي قادر على التمييز والوعي والإدراك مابين "الصدق وإن بدا لوهلة بأنه مر" وبين "الكذب وإن استعمل قاموس الصادقين"، وهو الإدراك والوعي الذي يفسر عجز شباط وحاشيته و"من وراءهما" على تعبئة كل تلك الجماهير التي وعدوا بإخراجها، رغم الحافلات والوعود والدراهم المعدودات، وذلك لسبب بسيط وهو أن ذاكرة الشعب لا تنسى بسرعة، وإن بدا في لحظات معينة أنها كذلك، فالتاريخ يسجل بأحرف ربطت بأعصاب الشعب بأن حكومات توالت على نهبه وتفقيره، وأن حكومات دخلها وزراء معلومون "حفاة عراة" فخرجوا منها يملكون من الأرصدة ما يقارنونه بما ملك قارون، فكم راكم وزراء العدالة والتنمية من ثروات وأرصدة يا ترى؟. فعلا إنها تراجيديا السياسة في نسختها المغربية، فأن يخرج أمين عام حزب الاستقلال في مسيرة تتقدمها "الحمير"، فهذا هو العبث، بل وأن يصول ويجول رافعا شعارات "الثورة والنصر" في مسرحية ممسوخة، ذكرتني بقصة "سروال علي" التي كانت مقررة لتلاميذ الستينات والسبعينات ضمن سلسلة إقرأ لصاحبها أحمد بوكماخ، وتحكي القصة أن طفلا اسمه علي، اشترى له أبوه سروالا جديدا، فلما لبسه اكتشف بأنه طويل بمقدار شبر، فما كان من الطفل إلا أن طلب من أمه أن تأخذ من السروال مقدار الزيادة، لكنها اعتذرت لكونها مشغولة، ثم قصد أخته فاعتذرت بدورها، فلم يجد من بد إلا أن يطلب ذلك من جدته لكنها اعتذرت بدورها لكونها مشغولة كذلك. ولما جن الليل وسكن الجميع، تذكرت الأم طلب ولدها وفلذة كبدها فقامت مسرعة وأخذت السروال فقصته بمقدار شبر كما طلب منها، ووضعته في مكانه، ثم تذكرت الأخت ما طلبه منها أخوها وفعلت نفس الشيء، وبعدهما قامت الجدة لصلاة الفجر وأبت أن تعود للنوم قبل أن تلبي طلب حفيدها فقصت بدورها من السروال شبرا وخيطته، وفي الصباح استيقظ "علي" وهم بلبس سرواله الطويل للذهاب للمدرسة، لكنه لم يجد سروالا وإنما "ربع سروال" بعدما تناوبت النسوة الثلاث على القص والخياطة. أخشى أن يستيقظ يوما عبد الحميد شباط فيجد حزب الاستقلال قد وقع له ما وقع لسروال علي، وإذاك سيجد ربع حزب، لأنه لبس سروال حزب الإستقلال الكبير عليه فبدأ عملية القص العشوائية المدعمة برغبة نفسية لرجل حملته رياح الصدفة فقط ، لرئاسة حزب سياسي دشن بداية النهاية "بانتخابه" شباطا أمينا عاما، وما أكثر الجهات التي تحسن القص والتضحية بكل شيء مقابل نهاية كابوس يزعجها إسمه العدالة والتنمية. ولأن القصص مع صاحب "مبروك العيد" لا تنتهي، فإن الزعيم الذي حلم بعلال الفاسي يوصيه بقبيلة الاستقلاليين خيرا، ينتظره مصير شبيه بما وقع للغراب مع الحمامة، إذ يحكى أن غرابا شاهد حمامة فأعجب بمشيتها ورشاقتها، فقارن بين مشيته ومشيتها، فاكتشف أنها متميزة عليه، ففكر ودبر وقرر أن يقلد مشية الحمامة، تدرب وأفنى وقته في الحركات والمحاولات، وحاول تقليد الحمامة لكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا، وبعدما يئس وأيقن من فشله ومن استحالة تمكنه من إتقان مشية الحمامة، أراد العودة إلى مشيته الطبيعية القديمة فلم يستطع، ليكتشف بعد فوات الأوان أنه قد نسيها، وبذلك فقد أصله الطبيعي ولم يدرك مبتغاه الإفتراضي، فلا هو بقي الغراب الذي كان بمشيته المناسبة لوضعه، ولا أصبح الحمامة الرشيقة التي كان يتمنى. وإنها لقصة تنطبق تمام التطابق على صاحبنا، الذي أراد منذ البداية أن يتماهي في خطواته مع مؤسسة رئاسة الحكومة، قبل أن يصطدم بحقيقة الواقع الذي لا يرتفع، فلا هو قاد الحكومة، ولا حتى أحسن قيادة الحمير في شوارع العاصمة. *عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية