في المشهد السياسي المغربي، تتكرر ظاهرة غريبة لا تخلو من مكر وخداع: سياسيون يظهرون أمام الرأي العام في هيئة من التحضر والأدب والسلوك القويم، لكن سرعان ما تكشف الممارسة أنهم مجرد ذئاب بأقنعة بشرية. هؤلاء لا يؤمنون بالفضيلة ولا بالالتزام الأخلاقي، فصداقاتهم مؤقتة، وتحالفاتهم محكومة بالمصلحة والمتعة والفرصة. والأنكى أن خداعهم لا يُكتشف إلا بعد أن تتاح لهم السلطة، فتتعرى وجوههم أمام الجمهور الذي آمن بخطاباتهم وعلّق الآمال على وعودهم. هناك صنف خاص من هؤلاء السياسيين، يأتي من بيئات اجتماعية هشة. يدخلون الحقل السياسي محملين بشعارات شعبوية تستغل مشاعر الناس: "أنا ابن الشعب، أفهم آلامكم، وسأحمل صوتكم إلى البرلمان والحكومة". لكن ما إن يُمنحوا فرصة تدبير الشأن العام، حتى يتحولوا تدريجياً إلى مفترسين. تبدأ النهمة صغيرة وتنتهي إلى جشع مريع، حيث يغرقون في المال العام، ويتنكرون لكل القيم التي ادعوا الدفاع عنها. هؤلاء لم يعودوا يخدعون أحداً. المغاربة سئموا من هذا النمط الانتهازي، ولم يعد مقبولاً الاستمرار في اللعبة السياسية بنفس القواعد البالية، ولا بالنظر إلى الشعب ككتلة انتخابية صمّاء، تُشحن بالوعود وتُنسى بعد الاقتراع. صحيح أن مسؤولية الناخبين حاضرة، وتتغذى على الفقر، والأمية، والجهل السياسي، لكن المسؤولية الكبرى تقع على الأحزاب. هذه الأخيرة أخلّت بدورها التأطيري، وأصبحت مجرد ماكينات انتخابية ترشح من هبّ ودب، بلا كفاءة، بلا مشروع، بلا أخلاق، بل أحياناً بلا حتى الحد الأدنى من الكرامة. همّهم الوحيد هو الوصول إلى المنصب، ولو اقتضى الأمر المتاجرة بالعائلة، والقبيلة، وحتى بالكرامة الشخصية. لقد حان الوقت لإحداث قطيعة مع هذه الرداءة السياسية التي أنهكت البلاد وأهدرت فرص التنمية. المغرب في حاجة إلى نخب سياسية نظيفة، واعية، لها رؤية ومسؤولية، قادرة على إحداث الفارق في الجماعات المحلية، وفي البرلمان، وفي مواقع القرار. نريد قوانين انتخابية تضع حداً لهذا العبث، وتمنح الفرصة للأكفاء، وتعيد ثقة المواطن في السياسة. فالوطن يستحق أفضل مما هو عليه، والمرحلة لا تحتمل مزيداً من الكذب والتلاعب والرداءة.