شهد قطاع المياه والغابات بالمغرب منذ يناير 2023 تحولا هيكليًا عميقًا، لم يقتصر فقط على إعادة تنظيم الإطار المؤسساتي، بل شمل أيضًا إعادة النظر في نموذج تدبير الأعمال الاجتماعية لفائدة العاملين به. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الشكل أو التسمية، بل كان انتقالًا من منطق تقليدي قائم على جمعية مؤسسة وفق ظهير الحريات العامة، إلى منطق مؤسساتي حديث يؤسس لمنظومة شاملة ومندمجة، تستند إلى قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد كان تدبير الأعمال الاجتماعية سابقًا يتم في إطار جمعية غير خاضعة لأية آليات رقابة مالية رسمية، ما جعل أداءها الاجتماعي متواضعًا وهزيلًا، يعكس في العمق هشاشة البنية القانونية والتنظيمية التي كانت تحكمها، ويُترجم ضعف الميزانيات التي كانت تُخصص لها من قبل الإدارة المشرفة. وقد انعكس هذا الوضع بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمنخرطين، حيث ظلت محدودة في نطاقها، وموسمية في تنفيذها، وعديمة الأثر في تحسين أوضاع المستفيدين. اليوم، ومع إحداث مؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية والثقافية للمياه والغابات بموجب قانون صادقت عليه الحكومة وصادق عليه البرلمان بغرفتيه، دخل القطاع مرحلة جديدة تؤسس لتدبير عقلاني وفعال وشفاف للأعمال الاجتماعية. فالمؤسسة أصبحت تتوفر على مدير عام يُعين بمرسوم في مجلس الحكومة، وهيكلة إدارية متقدمة، وأهداف واضحة منصوص عليها في القانون المنشئ لها. كما باتت خاضعة لمراقبة المؤسسات الدستورية المعنية بالتدقيق والافتحاص، وهو ما يمنحها مشروعية مؤسساتية ومصداقية تدبيرية طالما انتظرها موظفو القطاع لسنوات. وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالمجهودات النوعية التي بُذلت خلال الأشهر الأخيرة من طرف المدير العام للمؤسسة، السيد محمد عاكف، الذي تمكن بمعية اللجنة المديرية للمؤسسة من تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع. فقد نجحت المؤسسة لأول مرة في تنظيم مخيم صيفي نموذجي لفائدة أبناء منخرطيها بمدينة أكادير، حيث أجمع المستفيدون على جودة التنظيم وحسن التأطير. كما تم تنظيم برنامج اصطياف بمقومات عالية في كل من المضيق وبوزنيقة، استند إلى رؤية جديدة تقوم على المساهمة المالية المدروسة للمؤسسة وتوفير شقق اصطياف بمواصفات مناسبة، مع تمكين عدد كبير من المنخرطين من الاستفادة عبر أكثر من فترة زمنية. ورغم بعض الهفوات العرضية التي سجلت، خاصة ما تعلق بإخلال بعض مسؤولي المركبات السكنية بالتزاماتهم التعاقدية، فإن سرعة تدخل المؤسسة لتدارك الخلل تعكس يقظة الجهاز الإداري وحرصه على الوفاء بالتزاماته تجاه المنخرطين، وفق منطق يراعي جودة الخدمة وكرامة المستفيد. التحول الجذري الذي عرفته تجربة الاصطياف هذه السنة لم يكن ليتحقق لولا وضع معايير شفافة وصارمة في تدبير عملية الاستفادة، وهو ما قطع بشكل نهائي مع الممارسات السابقة التي كانت تفتقر للعدالة في التوزيع وللنجاعة في التنفيذ. إن إحداث مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقطاع المياه والغابات، وما رافقه من مقاربة تدبيرية جديدة، يُعدّ تجسيدًا فعليًا لمبادئ الحكامة الجيدة، في مقدمتها الشفافية، والنزاهة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو أيضًا خطوة في اتجاه ترسيخ ثقافة الاعتراف بحقوق الموظف في الاستفادة من خدمات اجتماعية تليق بكرامته، وتحفز على المزيد من العطاء والالتزام. وإذ نتابع هذه الدينامية الإيجابية في بداياتها، فإن الأمل يحدونا في أن تتعزز هذه التجربة خلال السنوات المقبلة، وأن تُطوَّر لتشمل مجالات اجتماعية أخرى كالسكن، الصحة، الدعم المدرسي، والثقافة، بما يضمن لموظفي القطاع إطارًا اجتماعيًا متكاملًا يستجيب لتطلعاتهم المشروعة، ويترجم فعليًا فلسفة "الموظف في صلب التنمية المؤسساتية".