قالت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إن التطور الملموس في الحجم الإجمالي للاستثمارات العمومية في السنوات الأخيرة، لا ينعكس بصورة إيجابية على مستويات النمو وعلى إحداث مناصب الشغل، مسجلة أن مشروع مالية 2026 لا يجيب بالشكل الكافي عن سؤال البطالة، وحذرت من استمرار الغلاء، داعية إلى مراجعة أشكال الدعم التي لم تنعكس على الأسعار. ونبهت المنظمة في مذكرة لها حول مشروع قانون مالية 2026 إلى ما قد ينتج عن استمرار المعيقات الهيكلية التي تحد من حقوق المواطنات والمواطنين في الولوج والاستفادة من خدمات كالصحة والتعليم والشغل والسكن اللائق، باعتبارها ضمانات للكرامة، وركائز إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومداخل أساسية للإستقرار والسلم الاجتماعيين.
وسجلت أنه ورغم كل المجهودات المبذولة في المشروع، لا تزال الموارد العادية غير كافية لتغطية النفقات، بما يستبطنه ذلك من حاجيات الموازنة عن طريق الدين وتبعاته السلبية. ودعت إلى تقنين العمليات التي تتم في إطار "التمويلات المبتكرة". وأكدت المنظمة على أن التنمية الشاملة على امتداد التراب الوطني تحتاج إلى توزيع عادل في الاستثمار العمومي والخاص، وفي الاستفادة من الاستراتيجيات القطاعية وميزانيات التأهيل المجالي؛ حيث إن النشاط الاقتصادي خارج المحور طنجة-الجديدة يظل دون المستوى المطلوب لتحقيق اندماج مجالي عادل. كما أن المجهود الاستثماري على مستوى الجماعات الترابية، حسب المنظمة، لايزال محتشما مقارنة بميزانيات الاستثمار المخصصة للحسابات الخصوصية للخزينة أو للمؤسسات والمقاولات العمومية، ودعت إلى التفكير بشكل جدي في تطوير الموارد الذاتية للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها وتعزيز الأسس المالية للبرامج التنموية المجالية. وعبرت الهيئة الحقوقية عن القلق الكبير بخصوص ارتفاع البطالة في السنوات الثلاث الأخيرة، فالأرقام لا تبعث على الارتياح، ونبهت إلى كون مشروع قانون المالية لسنة 2026، يفتقد في صيغته الحالية للحَمُولة الإجرائية الكافية لتحقيق قفزة نوعية في محاربة البطالة، خاصة في وسط الشباب والنساء، ودعت إلى المزيد من التعبئة والتنسيق لعكس هذا المنحنى التصاعدي للبطالة وتداعياتها الاقتصادية الاجتماعية والنفسية. كما حذرت المذكرة من المنحى التصاعدي لأسعار المواد الأساسية والاستهلاكية وتداعياتها على القدرة الشرائية، فرغم تراجع معدل التضخم السنوي انطلاقا من سنة 2024، فإن الأسعار لم تتراجع إلى مستوياتها ما قبل الارتفاع المسجل طيلة سنوات 2022 و2023، وطالبت بتقييم شامل لمختلف أشكال الدعم التي خصصتها الحكومة من أجل "الحفاظ على القدرة الشرائية" والتي لم تعطي النتائج المرجوة. إلى جانب القيام بإجراءات ملموسة للحفاظ على استقرار أسعار المواد والمنتجات الاستهلاكية الأساسية، من خلال الحد من اختلالات سلاسل التوريد الوطنية، والمضاربات والاحتكار، وكل الممارسات التي تحد من التنافسية. وسجل ذات المصدر المجهود المقدر في الاعتمادات المالية المخصصة لقطاعي التعليم والصحة، والرفع من المناصب المالية المخصصة لهما برسم مشروع القانون المالية لسنة 2026، معتبرة أن هذه الإجراءات على أهميتها، لا تمثل أجوبة حقيقية عن اختلالات المنظومتين في أبعادها المتعددة، والتي زادت حدتها بفعل الخصاص في الموارد البشرية، وغياب الاستقرار التدبيري وضعف الحكامة. ودعت إلى احترام الأجندة الزمنية الخاصة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية بمختلف مكوناته، وإلى اعتماد قانون خاص بتمويل الحماية الاجتماعية يضمن الاستدامة في الخدمات والديمومة في التمويل؛ وإلى مراجعة شمولية لنظامي "المؤشر" و"العتبة"، وتداعياتهما على استفادة المواطنين من برامج الدعم المختلفة؛ كما دعت المنظمة إلى معالجة الاختلالات المرتبطة بالتعليم الأولي. واستغربت الهيئة الحقوقية للتخبط المسجل في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ولضعف المقتضيات والميزانيات المرصودة للشأن الثقافي على مستوى القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية؛ ولغياب سياسة عمومية مندمجة موجهة للشباب. ودعت المذكرة إلى تعزيز مسار التراكم في إصلاح المالية العمومية، و ترسيخ ضمانات الوصول إلى المعلومة، و تقوية المؤسسات وتعزيز قدرات الفاعلين فيها من أجل القيام بأدوارها في إطار من الاستقلالية والتعاون تحت سيادة القانون، بما يساهم في ترسيخ الثقة وثقافة المساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة.