في 11 شتنبر 2025، أصدرت وزارة الداخلية قراراً مفاجئاً يقضي بتوقيف عامل عمالة إنزكان آيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، وإلحاقه بالمصالح المركزية دون مهمة. القرار جاء عقب زيارة لجنة تفتيش ثلاثية إلى مقر العمالة، فتحت ملفات عقارية واستثمارية مثيرة للجدل، وسط أحاديث عن شبهات تضارب مصالح واستغلال نفوذ، طالت مشاريع عقارية أنجزت في ظروف غير شفافة.
تؤكد مصادر متطابقة أن اللجنة وقفت على ملف عقار كان مخصصاً لبناء مؤسسة تعليمية، قبل أن يتحول إلى مشروع تجاري ضخم على مساحة تفوق 4600 متر مربع. وتشير المعلومات التي حصل عليها "لكم" إلى أن العقار بيع في البداية بثمن منخفض، ثم أعيد بيعه لاحقاً بأضعاف مضاعفة لشركة حديثة التأسيس ذات ارتباطات محلية نافذة، في صفقة ما زالت تفاصيلها تثير كثيراً من الأسئلة. وبينما ساد صمت رسمي مطبق منذ توقيف العامل، بدأت تظهر وثائق جديدة تكشف مساراً متشعباً من القرارات والتراخيص، وتفتح الباب أمام قراءة أخرى للملف الذي أنهى مسار أحد أبرز رجال السلطة في سوس ماسة. تصميم التهيئة.. بداية التحول تعود جذور القضية إلى مرحلة إعداد تصميم التهيئة لجماعة إنزكان، حين خُصص العقار المعني لإنشاء مؤسسة تعليمية تحت الرمز (E42). غير أن مراجعة تصميم سنة 2002 تكشف أن الأرض كانت مصنفة كمرفق عمومي (P08)، لكن بانتهاء صلاحية التصميم سنة 2012، سقط التخصيص قانونياً، وفقاً للمادة 28 من القانون 25.90 المتعلق بالتعمير. ومنذ ذلك التاريخ، لم يعد العقار يحمل أي طابع عمومي، ما جعل إمكانية تفويته أو إعادة استغلاله واردة قانوناً. بحسب وثائق حصل عليها "لكم"، باشرت الوكالة الحضرية لأكادير سنة 2021 إعداد تصميم جديد لم يُصادق عليه إلا في يوليوز 2023. وتظهر محاضر اللجنة التقنية أن اقتراح بناء مؤسسة تعليمية في الموقع ذاته تم استبعاده بناء على دراسة معمارية دقيقة. وتشير رسالة رسمية، مؤرخة في 21 دجنبر 2025 وموقعة من عبد الرحمان الراحي، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية، إلى أن "الموقع غير مناسب لبناء مؤسسة تعليمية بسبب ضيق المساحة وعدم احترام المعايير الوزارية التي تشترط 5000 متر مربع على الأقل، فضلاً عن وجود مدرسة خاصة مجاورة واقتطاع 30% من الأرض بسبب الطريق المحاذية". هذه المراسلات أزالت الصفة التعليمية عن العقار، لتفتح الباب أمام تحوله إلى مشروع تجاري خاص. من التعليم إلى الاستثمار تفيد البطاقة التقنية للمشروع، الصادرة عن الوكالة الحضرية، أن ملف شركة "3D" خضع لدراسة تقنية امتدت خمسة أشهر، وهي مدة تفوق المتوسط في مثل هذه الحالات. وبحسب عبد الله بوفارس، الخبير العقاري الذي استشاره "لكم"، فإن طول مدة الدراسة اكانت أطول من المعتاد، في مثل هذه المساطر، بحسب ما بيّنته البطاقة التقنية الصادرة عن الوكالة الحضرية. لكن الوثائق الرسمية تفيد أن العقار لم يكن ملكاً عمومياً عند الترخيص، إذ تم تفويته وتسجيله نهائياً في المحافظة العقارية بأكادير دون تحفظ، مع خضوع عملية البيع لخبرة تقييمية قانونية. أما رخصة البناء، فقد منحت على أساس قاعدة (R+5) المنصوص عليها في تصميم التنطيق، وهو نفس الامتداد المسموح به لبنايات الواجهة الرئيسية بشارع المشروع. غموض لم يُبدّد بعد رغم أن المعطيات التقنية تشير إلى احترام المساطر القانونية في التفويت والترخيص، إلا أن ظلال الشك لا تزال قائمة حول هوية المالكين الفعليين للشركة المستفيدة، بعد تداول أنباء عن علاقة قرابة تربط أحد الشركاء بالعامل المقال. أسئلة كثيرة ما تزال بلا أجوبة: من الجهة التي أمرت ببيع عقار كان يفترض أن يخدم المصلحة العامة؟ ومن المستفيد الحقيقي من تعديل التهيئة؟ مصدر مقرب من القضية قال ل"لكم" إن التقرير النهائي رُفع إلى المصالح المركزية للداخلية، وإن "التحقيقات لم تُغلق بعد"، مشيراً إلى أن الملف "يمثل اختباراً جدياً لصرامة أجهزة المراقبة في مواجهة تضارب المصالح على المستوى الترابي". وبينما ينتظر الرأي العام نتائج التحقيق الرسمي، يبقى ملف "عقار إنزكان" علامة فارقة على تداخل السلطة بالمصالح الاقتصادية، ويعيد إلى الواجهة النقاش حول شفافية تدبير المجال العقاري في المغرب، حيث تُقدَّر قيمة الصفقات العقارية ذات الطابع العمومي بآلاف الهكتارات من الأراضي كل عام، دون رقابة فعالة أو نشر للبيانات الكاملة.