بالرغم من ان دستور 2011 لم يشفي صدور قوم ديمقراطيون . اذ لم يكن مستجيبا للتطلعات الديمقراطية منذ طريقة التأسيس الى المضمون بالارتكاز على مفهوم الديمقراطية بكل ابعادها و مضامينها . الا انه مع كل ذلك شكل خطوة معتبرة الى الامام ودرجة يمكن الاعتماد عليها للانتقال الى الافضل والاحسن . ولعل قوة ومصداقية النص لا تكمن في ذاته بل في التزام المخاطب به مهما كان مركزه ودوره داخل الدولة و مؤسساتها . فالنص ولئن كان يحدد المسؤوليات فان المخاطب به هو الشخص المسندة اليه تلك المسؤولية. واذا كان الدستور قد اوجب اسناد رئاسة الحكومة للحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب والذي يجب عليه بما تقضيه اصول الديمقراطية ان يسعى لتكوين اغلبية عددية داخل مجلسي البرلمان بالتحالف مع احزاب اخرى يفترض ان تكون متقاربة معه. واذا عدنا لنتائج انتخابات 2016 والتي تصدرها حزب العدالة والتنمية بحصوله عل ما يقارب 125 مقعدا نيابيا اي حولة ثلثي النصاب الذي يحتاجه تكوين الحكومة اي نسبة تمكنه من تسيد الحكومة التي ستشكل. واذا ما استحضرنا ظروف تكليف رئيس الحزب انذاك برئاسة الحكومة وتعجيزه وعجزه عن ذلك بفعل عوامل لا ديمقراطية وسلوكيات مشينة اسند دور ممارتسها لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي وافق بدئا بالدخول للحكومة لكنه بعد ذلك سعى لفرملتها . هذا المسلسل عرف الذي انذاك بالبلوكاج وهو اسلوب لا ديمقراطي تم تفعليه من اطراف يجمعها ما يسمى جزافا بالدولة العميقة الى ان تم اعفاء رئيس الحزب وتكليف رئيس المجلس الوطني برئاسة الحكومة الذي تجاوز كل العوائق لتشكيل حكومته بطريقته الخاصة او بالطريقة التي اريدت له. ولعل المتتبع لشان تلك الحكومة منذ انتدابها والى غاية نهاية ولايتها فقد عرفت عدة انعطافات سواء سياسية او تشريعية اساءت كثيرا للحزب الذي يتراسها وللديمقراطية المغربية عموما بحيث ان تلك الانعطافات افرغت معنى الاغلبية الحكومية والتحالف الحكومي من كل المقومات التي يجب ان تترتب عنه. ومن هاته الانعطافات يمكن الاشارة الى ثلاث محطات تشريعية برزت فيه بشكل اساسي وهي : 1 – المحطة الاولى : قانون التعليم وخصوصا التدريس باللغة الاجنبية: حيث ان هذا القانون قدم من طرف الحكومة غير ان المفارقة الكبيرة هي ان الحزب الذي يتراس الحكومة وبأغلبيته العر مرمية رفضه وكذلك الشأن لحزب الاستقلال احد اكبر احزاب المعارضة آنذاك عبر عن رفضه ايضا خصوصا المادة المتعلقة بالتدريس باللغات الاجنبية. وموضعيا كان يجب ان يكون في نفس الصف باقي نواب احزاب الكتلة الوطنية لكن بالرغم من كل ذلك تمت المصادقة على القانون. 2- المحطة الثانية : قانون زراعة القنب الهندي : قدم هذا القانون ايضا من طرف الحكومة بإعداد من وزارة الداخلية و قد اثار هذا القانون في حينه ضجة كبير. وقد رفضه نواب الحزب الذي يتراس الحكومة لكن ايضا فقد تم تمريره بنجاح. 3- المحطة الثالثة : قانون تغيير القاسم الانتخابي : ان هذا القانون و الذي يشكل نوعا من التوجيه المسبق للنتائج الانتخابية والتحكم فيها بسهوله وقد اتى في هذا الباب بما لم يأتي الاولون لكن ورغم معارضة نواب الحكم الذي يتراس الحكومة له فقد تم اقراره واكتملت المفارقة بطعن الحزب الحاكم فيه امام المحكمة الدستورية . ان هاته المحطات الثلاث ستكون لامحالة مضرب مثل لدى دارسي العلوم السياسية و الادارية وربما قد يشار اليها بالمدرسة المغربية. لكونها تعبر عن مفارقات لا يمكن تفسيرها بالمنطق العادي فكيف يمكن ان يكون حزب يراس حكومة ويملك ثلثي النصاب الضامن لبقائها تم تعد قوانين من هاته الحكومة ضد مقومات و اسس هذا الحزب الذي يراسها ويصادق على هاته القوانين داخل مجلس النواب بواسطة نواب الاغلبية التي تكون معه الحكومة هاته الصورة المشينة تعبر عن ان رئاسة هذا الحزب للحكومة اصبحت مجرد رئاسة صورية و هي صورة ساهمت في افقاد الثقة في العملية الديمقراطية وفي الفاعل الحزبي و في معنى ومصداقية التحالفات البرلمانية و الاسس التي تبنى عليها. ان الحل المناسب امام تلك الانعطافات كان يكمن اما في تقديم رئيس الحكومة استقالته او اعداد ملتمس رقابة من نوابه داخل المجلس النيابي خصوصا انه في كلتا الحالتين لن يفقد الحزب ابد رئاسة الحكومة التي ستتشكل فيما بعد انسجاما ايضا مع المادة الدستورية التي توجب ان يترا س الحكومة الحزب الفائز خلال انتخابات مجلس النواب .وان يسعى من جديد لتكوين اغلبية جديدة اكثرا انسجاما. وخصوصا ايضا ان هذا الامر كان سيشكل ممارسة دستورية جديدة ستدفع الى تطوير الديمقراطية المغربية نحو افاق اكثر وسعا في الممارسة الديمقراطية بدل التراجع بها الى الخلف الذي كرسه الاستمرار في الحكومة ورئاستها رغم كل الاهانات التشريعية التي تعرض لها الحزب الاغلبي آنذاك. وكخلاصة يمكن استنتاجها هي ان ضعف الديمقراطية المغربية بهذا المستوى لا يعود فقط الى ارادة الدولة العميقة فقط بل ايضا بشكل اساسي الى ضعف واستكانة الفاعل السياسي عندما يكون بحكم موقعه قادر على المساهمة في تطوير الدمقراطية وممارستها مؤسساتيا لكنه لا يقوم بهذا الدور. وقد كرس فقهاء القانون قاعدة فقهية مفادها ان من يستطيع ان يفعل و لم يفعل فهو اثم. كلميم واد نون بتاريخ 20/11/2025 محام بهيئة اكادير