كشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري، تفاصيل المقاربة الحكومية الجديدة في التعامل مع بطالة الشباب، مؤكداً أن الحكومة انتقلت من مرحلة الإجراءات الاستعجالية إلى تنفيذ "خريطة طريق" شمولية تستهدف معالجة أعطاب هيكلية عميقة كانت تُهمَل منذ سنوات طويلة. وقال الوزير في مستهل جوابه في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 2 دجنبر الحالي، إن "الهدف من خريطة الطريق الحكومية ليس شيئاً بعيد الأمد فقط، لأنها تتضمن أهدافاً آنية ومتوسطة الأمد، ولكن الغاية الرئيسية منها هي معالجة الإشكاليات التي ربما في السابق لم نتطرق لها بشكل عميق".
ورأى أن الحكومة، بعد مرور عدة مراحل من الاشتغال، باتت مقتنعة بأن معالجة البطالة تتطلب إعادة هيكلة جذرية للبرامج القائمة، وفي مقدمتها تلك التي تستهدف الشباب غير الحاصلين على شهادات أو ذوي التجربة المهنية المحدودة الذين وصف وضعهم بأنه "من سابع المستحيلات أن يلجوا العمل لأول مرة" في ظل غياب سياسات عمومية مناسبة. وأوضح السكوري أن تقديرات الحكومة، استناداً إلى معطيات المندوبية السامية للتخطيط، تُظهر أن هذه الفئة وحدها تمثل "أكثر من 900 ألف شاب"، ضمن خزان رسمي للعاطلين يناهز "مليوناً وخمسمائة ألف"، معتبراً أن البرامج السابقة لم تكن كافية إطلاقاً لمعالجة هذا الحجم من الإشكاليات، وأن التصورات التي كانت تركّز على الشباب الحاصلين على الشهادات "تغفل فئة واسعة جداً تمثل جوهر التحدي". وأكد أن الحكومة حين شرعت في فحص البرامج المتاحة اكتشفت نقصاً حاداً في الأدوات القادرة على الإدماج الفعلي لهذه الفئات، وأن أول منفذ عملي وجدته هو التدرج المهني الذي "يمكنه أن يعالج جزءاً من المشكلة لأنه يتيح للشباب قضاء 20 في المائة من الوقت في التكوين و80 في المائة في العمل"، الأمر الذي يجعل المستفيدين منه يلجون سوق الشغل مباشرة عبر تجربة عملية متقدمة. وبيّن الوزير أن محدودية عدد المقاولات المنخرطة في التدرج المهني كانت إحدى أبرز العوائق، إذ لم يكن يتجاوز "54 أو 55 مقاولة في بعض القطاعات مثل النسيج والصناعة"، وهي أرقام اعتبرها غير كافية نهائياً، قبل أن يضيف: "قمنا بتهزيم هذا العدد لأننا لم نحصل إلا على 96 ألف مقاولة في العام الماضي، في عام 2024، بينما نحتاج إلى 900 ألف مقاولة في 200 عام لكي نصل إلى أرقام تغطي الواقع". وقال إن الحكومة اتخذت أول قرار استراتيجي لرفع عدد المستفيدين من التدرج المهني إلى "100 ألف سنوياً"، مؤكداً أن هذا الورش أُطلق "منذ الصيف"، وأنه جرى التواصل مع الوزراء المعنيين وتأسيس لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة لتوقيع الاتفاقيات التنفيذية المتعلقة بالمراكز وتوزيعها حسب القطاعات. وأضاف السكوري أن القطاعات التي ستستفيد من هذه المقاربة تشمل الصناعة التقليدية، والفلاحة، والصيد البحري، وبرامج موجهة للفتيات في القرى والبوادي، مع التركيز على مسالك التكوين الخاصة بالمرأة داخل مؤسسات الوزارة الوصية على المرأة والتضامن، مبرزاً وجود "عمل كبير لإدارة تمكين المرأة في هذا الاتجاه". وكشف أنه عقد اجتماعاً حديثاً مع الفيدراليات المنضوية في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وقال لهم: "إذا أعطينا الأسبوع القادم، ستعطوني قائمة لنائحة المهن الأخرى التي لا نملكها"، في إشارة إلى فتح باب التدرج المهني أمام 200 مهنة إضافية، سواء في التكنولوجيا أو المهن التجارية أو غيرها، مع تخصيص "ميزانية تقارب مليار درهم في هذا المجال". وفي جانب آخر من عرضه، أعلن الوزير عن مراجعة شاملة لطريقة الاستفادة من خدمات "لانا بيك"، مشيراً إلى أن النظام القديم كان يشترط التوفر على شهادة للاستفادة من عروض العمل، رغم أن "عدداً من المعامل في الشمال أو برشيد أو الشرق موجودة ولكن لا توجد اليد العاملة"، وأن المشغلين يسائلون الوزارة باستمرار حول أسباب غياب الشباب الراغبين في العمل رغم توفر المناصب فعلياً. وقال: "لا نريد أن يتكرر هذا الخطأ"، مؤكداً أن الإصلاح الجديد يفتح الباب أمام فئة واسعة لم تكن تستفيد سابقاً، وأن الحكومة شرعت في التنسيق مع رؤساء الجهات من أجل "تخصيص دعم اجتماعي للشباب الذين سيتابعون تكويناً لمدة 11 شهراً"، سواء في النقل أو الإيواء أو التغذية أو أي دعم آخر يمكن أن يسهل عليهم الانخراط في البرامج. وأوضح السكوري أن هذا التوجه لن يكتمل دون دعم الجهات والمشغلين، مضيفاً: "نحن نكوّنهم، ولكن يجب أن تساعدوا"، قبل أن يكشف أن "لانا بيك قامت باستقصاء مع 12 ألف مقاولة، أعطتنا 39 ألف منصب شغل"، ليست كلها مخصصة للتدرج المهني، لكنها تمثل قاعدة بيانات جديدة سيتم استثمارها وفق خريطة دقيقة للمناصب حسب كل منطقة. وأشار إلى أن تقييم هذه البرامج سيبدأ خلال "شهرين"، لافتاً إلى أن نجاحها يتطلب تعبئة جميع القطاعات الوزارية والمؤسسات والتعاونيات والجمعيات والمقاولات، لأنها "أساسية لكي ينجح هذا البرنامج كله". وفي ختام إجابته، شدد الوزير على أن معالجة بطالة الشباب تقتضي الاستثمار في التكوين المهني، مؤكداً أن الدراسة الحكومية التي نُشرت قبل شهرين تُظهر أن "الشباب الذين يقومون بالتكوين المهني نسبة الشوماج عندهم كترجع لهاد الشريحة"، ما يجعل برامج التدرج والتكوين أكثر إلحاحاً في سياق وطني تنتج فيه المدرسة "280 ألف شخص كل عام"، وهو رقم قال إنه يجسد "حجم الإشكال".