في سياق مواجهة أزمة الجفاف المزمن الذي يُشكل ضغطا شديدا على الموارد المائية في الجنوب الشرقي للمغرب، قررت السلطات الإقليمية بطاطا الإبقاء على جميع القرارات الإدارية السابقة المتعلقة بتقنين استعمال المياه وترشيد الاستهلاك. ويأتي هذا القرار، الذي يحمل رقم 259 والصادر عن عامل إقليم طاطا محمد باري، استناداً إلى توصيات اللجنة الإقليمية للماء التي تتابع بقلق بالغ تدهور الوضع الهيدرولوجي بالإقليم. ويعكس استمرار العمل بهذه المقتضيات حرص السلطات المحلية على نهج مقاربة استباقية ذات أفق بعيد، تهدف إلى ضمان الأمن المائي في منطقة تُعد من بين الأكثر هشاشة وتضرراً بسبب تراجع الموارد الجوفية بفعل شح التساقطات وتوالي سنوات الجفاف.
وأوضح مصدر محلي لموقع "لكم" أن القديد جدد التشديد على المنع القائم منذ أزيد من أربع سنوات بخصوص الزراعات المستهلكة للمياه، والتي سبق أن أثارت جدلاً واسعاً بشأن تأثيرها السلبي على المستودعات المائية الهشة. ويأتي هذا التوجه ضمن استراتيجية تهدف إلى ضبط أنشطة الري داخل الواحات والمناطق السقوية، وتشجيع خيارات فلاحية أكثر انسجاماً مع الواقع المناخي القاسي الذي يُميّز إقليم طاطا. كما تم الإبقاء على الإجراء القاضي بالمنع المؤقت لمنح رخص جديدة لحفر الآبار داخل المناطق السقوية، باستثناء بعض الحالات الضرورية أو ذات الطابع الاجتماعي التي تُمنح بعد دراسة دقيقة. ويهدف هذا القرار إلى وضع حدّ لما وصفه المصدر ب"النزيف" الذي تتعرض له المستودعات المائية، بعد تسجيل انخفاضات حادة في مستويات المياه الجوفية خلال السنوات الأخيرة. وفي إطار المقاربة التشاركية المعتمدة، كلّفت السلطات عدة أطراف مهمة تنفيذ وتتبع هذه القرارات، من بينهم وكالة الحوض المائي، والمديريات الإقليمية للفلاحة والتجهيز، إلى جانب السلطات المحلية والأمن والدرك الملكي. ووفق المصدر ذاته، تعمل هذه الجهات على تنفيذ الإجراءات الميدانية، لا سيما مراقبة الاستعمالات غير القانونية للمياه وتنظيم حملات تحسيسية لفائدة الفلاحين والساكنة تهدف إلى تعزيز ثقافة الترشيد في استهلاك الماء. ويعيش إقليم طاطا وضعا مائيا حرجا بفعل توالي سنوات الجفاف، ما أثر بشكل كبير على الواحات والأنشطة الفلاحية التقليدية، فضلاً عن ارتفاع الضغط على الماء الصالح للشرب. وتشدد المعطيات الرسمية على أن السلطات تعتمد مقاربة تقوم على الحكامة الرشيدة في تدبير الثروة المائية العامة، عبر تنظيم الاستعمالات، ومحاربة الهدر، وتوجيه الجهود نحو حماية الموارد المتبقية. وما يؤكد الإبقاء على هذه الإجراءات الصارمة هو الرغبة الواضحة في تفادي سيناريوهات أكثر تعقيداً، من خلال تبني تدابير استباقية تراعي هشاشة الوسط الطبيعي والارتفاع المتواصل للطلب على الماء. وفي منطقة طاطا التي تتفاقم فيها مخاطر الجفاف بفعل التغيرات المناخية، يبدو أن الطريق نحو تحقيق الأمن المائي يمر عبر تشديد المراقبة، وترشيد الاستهلاك، وإرساء ثقافة جديدة في تدبير الموارد والممارسات اليومية.